وهم كذلك شهداء الله وحججه يوم الدنيا ، يدلون اليه ، مجاهدين في التدليل عليه ، مثلث الشهادة الصادقة للصديقين وحسن أولئك رفيقا.
هؤلاء لهم أجرهم كما سعوا ، ونورهم كما قدموا ولا يظلمون فتيلا (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) بالله ورسله (وَكَذَّبُوا بِآياتِنا) : رسلا ورسالات بسائر الآيات (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) : نار شديدة التأجج ، كما هم كانوا نارا على أصحاب النعيم.
(اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضْوانٌ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ) :
ان الحقيقة في الحياة الدنيا ، وراء كل ما يبدو فيها هي الحياة الخماسية الزهيدة الجوفاء ، دون بقاء ولا وفاء ، تجمعها «انها حياة الغرور» : غرور لعب ولهو وزينة وتفاخر وتكاثر ، ومن ثم هي (فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ) لمن أبصر إليها فأعمته عن حقيقتها ، وهي هي (مَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضْوانٌ) لمن أبصر بها فبصرته ، فهي من طبعها حياة الغرور لمن لا يحدّ البصر ، وهي ثانية حياة المغفرة والرضوان لحديدي البصر! فعلى السالك السبيل من هذه القنطرة الخطرة أن يعمق النظر ويحد البصر ، لكي لا يغره بالله الغرور في هذه الحياة الغرور.
انها حياة ذات وجهين ووجهتين : باطنها فيه الرحمة وظاهرها من قبله العذاب ، وكما تضرب هي سورا بين أهل الجنة والنار يوم القرار.
فبإمكان الإنسان أن يجعل من الحياة الدنيا حياة عليا ، أن يقنطرها للأخرى ، ويستخدمها للارتقاء في مراقي العبودية والتقى ، فان الدنيا مدرسة الآخرة!.