يجعل بدل اللعب الطفولي ، العمل البناء البطولي ، وبدل اللهو عن ذكر الله لهوا عما سوى الله وعيشة مع الله ، وبدل زينة الحياة الدنيا ، زينة الحياة العليا :
الإيمان والتقوى ، وبدل التفاخر بالأرذل الأدنى ، التناصر فيما يحب الله ويرضى ، وبدل التكاثر في الأموال والأولاد ، التكاثر في المثل العليا.
ان دور اللعب هو دور الطفولة ، يتعبون أنفسهم فيما لا يعنى ، فتذهب أتعابهم سدى ، واللهو دور الشبان ، إذ يلتهون عن مهمات الحياة الى ملذاتها وملماتها ، وعن عقلياتها الى شهواتها ، ثم لا يبقى لهم بعد انقضاءها إلا حسرات ، إذ يرى تقضّي العمر والمال واللذة العمياء ، والزينة في الملابس والمراكب والمساكن دور الكهولة أو ما يشارفها ، بعد ما انقضى ثورة اللهو والشهوة ، ثم بعد الكهولة دور التفاخر بالأحساب والأنساب والمناصب والألقاب الفارغة الجوفاء ، وأخيرا دور التكاثر في الأموال والأولاد وقد يتخطى الأحياء الى الأموات : (أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ. حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ).
ومن الناس النسناس من يعيش هذه الأدوار طول حياته ، صبيا في كهولته ، شابا في طفولته ، طفلا في رجولته ، يلعب ويلهو وهو شيخ هرم ، ويلعب دور الزينة والتفاخر والتكاثر في سني عمره كلها (فأولى لهم ثم أولى لهم)!.
وهنا الآية تمثل خير الأمثال للحياة الدنيا (كمثل غيث) مثلا عن الحياة العليا ، الخليطة بزخارف الدنيا : (إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (١٠ : ٢٤).
والغيث من الغوث : المطر المغيث العطشى ، والمغيث الحب والنوى ، وكذلك الحياة العليا الإيمانية تغيث أصحابها عن غرور الدنيا وزخرفاتها ، وهي الحياة المستجيبة لنداء الفطرة ورسالات السماء.