(كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ) : هل الكفار هنا هم الزرّاع إذ يكفرون البذر ويسترونه تحت التراب؟ وقد يناسبه الغيث والنبات! ولكنها إذا آية يتيمة في هكذا كفر بين آيات الكفار كلها (١)! أم هم الكافرون الساترون الحاجبون الفطرة عن نور الحق ، والساترون سائر الحق بحجب التكذيب والإنكار؟
قد يلائمه سائر آيات الكفار ، وغير فصيح ولا صحيح أن يعني به في هذه اليتيمة غير ما عنى به في سائر العشرين آية ، فلما ذا لم يقل الزرّاع لو كان معنيا من الكفار ، كما في سائر آيات الزرّاع (٢)؟ وقد قورن بالكفار في واحدة منها : (يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ) (٤٨ : ٢٩)! ولكنما العجاب من نبات الغيث لا يخص الكفار ، زرّاعا أم غير زرّاع ، بل يعجب المؤمن والكافر ، ولا سيما الزرّاع مؤمنين أو كافرين!
قد يعني به الزرّاع هنا مضمّنا الكفار ، تورية وإلماعا الى إعجابهم بالحياة الدنيا ، فالغيث يعجب الزراع وأحرى ، ويعجب الكفار زراعا وسواهم ، وأين عجب من عجب؟ عجب كافر وهو عجاب كافر ، وعجب مؤمن وهو عجاب مؤمن ، عجب لاه ، وعجب من رحمة الله.
(ثُمَّ يَهِيجُ) النبات (فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً) : كسرا هشيما تذروه الرياح ، وهكذا ينتهي شريط الحياة الدنيا العاجلة الزهيدة ، ثم هي (وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ) للزراع الكافرين المعجبين بظاهر الحياة الدنيا ، اللاعبين اللاهين المتزينين المتفاخرين المتكاثرين (وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضْوانٌ) للزراع المؤمنين ، الذين استفادوا من غيث الحياة إغاثة لها عن دنياها ، فما زخرفوها أو دنّسوها بغرورها وزورها ، بل أنبتوها من هذه الممرة الكأداء نباتا حسنا ،
__________________
(١) وهي احدى وعشرون آية لا يحتمل معنى الزرع إلا في هذه.
(٢) وهي اربعة عشر آية.