تتغلب على مشيئته في شيء ، ولا تجبر على شيء ، اللهم إلا في أجلك المحتوم ، أو المعلق على غير عملك وفعلك ، أو اصابتك بما أنت السبب ، أو ما ليس لك نصيب في السبب ، فإنها كلها (فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها) وهذا إعلام من الله مسبقا :
(لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ) :
ولماذا الأسى على ما فات ومضى ، وهو مقدر كائن بحساب دون فوضى ، فان كان الفوت بسيئة منك فهذا شيء مرتقب ، فلا تأس ، وإنما غيّر سيرتك ، وان كان من غيرك فاعتبره لك عبرة وذكرى أو تكفيرا عن سيئات ، أو ترفيعا لدرجات ، إذا فلما ذا الأسى على ما فات؟!.
ثم ولماذا الفرح والمرح بما آتاك الله ، فلعله نعمة تضم نقمة فاستعذ منه بالله ، أو تجربة فاستعن فيه بالله ، أو كرامة من الله امتحانا فلما ذا الفرح؟ فهل تلهيك نعمة؟ وكثير هؤلاء الذين يلتهون! وليس الامتحان في النعمة أهون منه في النقمة : (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ) (٢١ : ٣٥).
فلا تحسبن النعمة لباقة منك ولياقة ، ولا النقمة عذابا وآفة ، فقد تكون النعمة نقمة والنقمة نعمة ، وقد تكون غير ذلك «والدهر لك يومان يوم لك ويوم عليك فإذا كان لك فلا تبطر وإذا كان عليك فاصبر فبكلاهما ستختبر» (١).
وهذه الآية تمثل أزهد الزهد في الدنيا لأهل الدين وكما عن علي أمير المؤمنين عليه السلام : «الزهد كله بين كلمتين من القرآن : (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا)
__________________
(١) عن علي أمير المؤمنين (ع).