ومن لم يأس على الماضي ولم يفرح بالآتي فقد أخذ الزهد بطرفيه» (١) .. وما من أحد إلا وهو يحزن أحيانا ويفرح اخرى ، فليكن صابرا عند الإصابة السوء ، وشاكرا عند الخير ، دون جزع ولا بطر.
فليست هذه الآية بالتي تجمد الطاقات ، وتدعو للاتكاليات ، تعطيلا للمساعي وإبطالا لها مغبة الأقدار ، لأنها ليست إلا حسب المكاسب ، أو المصالح واللياقات ، وما الخارج الناتج عن كسبه وسعيه ليخطئه لو قدر له امتهانا أو امتحانا ، فعليه أن يعيش سعيا وكدحا الى خير ، وراء أقداره العاكسة في كتاب ، ولكي تصبح مصائبه خيرات وسيئاته حسنات.
هذه الآية تستجيش الإنسان وتستصلبه في الأحداث لكي لا يجزع ويستطار فتسحقه الأحداث ، وتعصف به عواصف الزمن وقواصفه ، بل يصمد عند الحوادث فيتغلبها دون أن تغلبه ، وليستمر في نشاطه وكدحه تخفيفا عنها أو قضاء عليها أم صبرا حيث لا مندوحة إلا إياه ، فيتعامل مع الأحداث كأنها مرتقبة طول الحياة ، فيعالجها بنفسه لا أن يخالجها في نفسه تقسّما وانهزاما ، فالأسى على الفائت تشغل البال ، والفرح بالآتي يفسد المآل ، وهما من سوء الحال ، فليكن المؤمن ثابت الحال في كل مجال ، كالجبل الراسخ لا تزيله القواصف ولا تحركه العواصف ، وهو عماد الزهد وسناد الكدح.
ولماذا «فاتكم» لفوات الحسنات ، و «آتاكم» : الله لما اوتي من رغبات؟ ... لأن فوت الحسنات مما كسبت أيديكم ، والحسنات مما آتاها الله ، فالخير كله بيديه والشر ليس اليه.
(وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ) فالمختال هو مفتعل الخيال والخيلاء والكبرياء ،
__________________
(١) في نهج البلاغة عن علي (ع) وفي اصول الكافي عن أمير المؤمنين (ع) أن الناس ثلاثة : زاهد وصابر وراغب ، فاما الزاهد فقد خرجت الأحزان والأفراح من قلبه ، فلا يفرح بشيء من الدنيا ولا يأسى على شيء منها فاته فهو مستريح.