البينات ، فالحكومة الإلهية من الميزان النازل مع الكتاب ، وإن كان الكتاب بميزان بيان الرسول يمثل التشريع ، فميزان الحكم يمثل التنفيذ ، فلا قوام لتشريع بلا ميزان الحكم ، كما لا حكم وزينا بلا تشريع إلهي.
هذه هي القوة التشريعية التنفيذية ، وترى انها تقوّم الناس أجمعين؟ اللهم لا ، إلا المؤمنين بالرسالات ، الذين يعقلون فيؤمنون ، وأما الذين لا يعقلون أو يجهلون أو يتجاهلون ، صم بكم عمي فهم لا يرجعون ، أما هؤلاء فلا بدّ عليهم من قوة رادعة عن التخلفات ، ضابطة عن الهمجيات والفوضويات ، وما هي إلا الحديد وبأسه الشديد :
(وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) :
والحديد بوجه عام كل ما فيه حدة وصلابة وحتى حدة البصر : (فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) (٥٠ : ٢٢) ، وبوجه خاص هو الحديد المعروف بأصوله وفروعه ومواليده.
و «انزاله ذلك خلقه إياه» (١) لا فقط من السماء فإن الله ليس ما كن السماء وساكنها ، حتى ينزل ما ينزله منها ، وإنما أصل الإنزال في أمثاله إنزال الرحمة من علوّ ساحة الربوبية إلى المربوبين الهزلاء النازلين كما أنزلت الانعام الثمانية ، وإن كان ذلك لا يمنع نزوله أيضا من السماء إلى الأرض كالأمطار.
فلما كانت الأرض شماسا مجنونة محترقة ، كانت الفلزات كالحديد وأمثاله سائلات أحيانا وغازات وكبخارات في جو الأرض ، أخرى ، فلما أخذت تقر وتبرد شيئا فشيئا ، أخذت السحب الغازية الحديدية وسواها تنزل فترة بعد أخرى فتدخل في شقوق الأرض أو تشقها فتدخلها فتصبح معادن تحت الأرض أو على مناكبها الجبال أحيانا!
والحديد هنا «يعني السلاح وغير ذلك» (٢) مما يحد ويقد ، ومن بأسه الشديد
__________________
(١) الاحتجاج للطبرسي عن أمير المؤمنين (ع) في الآية : فانزاله ذلك خلقه إياه.
(٢) التوحيد للصدوق عن علي (ع) في الآية : يعني السلاح وغير ذلك.