(أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما ..) (٢١ : ٣٥) فالمادة الام هي المرتوقة ، ثم السماء الام وأرضها هما المفتوقتان عن الام ، ثم وللسماء رفعان ، رفع الدخان الام ، المتصاعد الى أعماق الفضاء بعد تفجرة المادة الاولى ، ورفع الطبقات السبع ، كل فوق بعض ، وعل (السَّماءَ رَفَعَها) تعنيهما ، فلا تعني السماء جهة العلوّ فقط لكي تنافي خفضها قبل رفعها ، وإنما الغاز التي هي مادة السماء ، والجهات والفضاءات العلوية هي أمكنة السماوات ، وقد رفعت إليها ، وكما أن كل سماء مرفوعة على ما تحتها ، كذلك السماوات مرفوعة على ما تحتها من كرات ومنها الأرضون بما فيها أرضنا ، ثم وهي كلها مرفوعة بعمد ولكن لا ترونها : (رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها) (١٣ : ٢) (١).
فالله رفع السماء ، هذا الفضاء السامق الهائل الذي لا تبدو له حدود ، وعلق عليها مليارات القناديل ، السيارات منها والثابتات ، ولو لا التقدير والميزان الموضوع في أقدارها وحركاتها لانفلتت فأفلتت الكائنات عن مسيراتها ومصيراتها ، ولكن الرحمان :
(وَضَعَ الْمِيزانَ) : وضعا هو رفع لما له الميزان ، ميزان أنزله الرحمان :
(اللهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ) (٤٢ : ١٧) ميزان علم القرآن وسائر الميزان : وضعه في التكوين وفي التشريع ، في السماء والأرض ، للآخرة والاولى ، ميزان الكيان والرباط بسائر الكون ، ميزان العقل والعدل الذي تستقيم به الأمور ، ويعتدل عليه الجمهور : الانس والجان ، وكذلك سائر الميزان : ميزان الدليل : القرآن ونبي القرآن وخلفاءه المعصومون (٢) والعلماء الربانيون ، وميزان
__________________
(١) راجع سورة النازعات ص ٨٦ ـ ٨٨ ، وسورة الأنبياء في آية الفتق ، وسورة فصلت الآيات ٩ ـ ١٢.
(٢) في تفسير القمي عن الحسين بن خالد عن الامام الرضا (ع) في حديث : «الميزان أمير المؤمنين (ع) نصبه لخلقه ـ ألا تطغوا في الميزان : لا تعصوا الامام ـ وأقيموا الوزن بالقسط : أقيموا الامام بالعدل ، ولا تخسروا الميزان : لا تبخسوا الامام حقه ولا تظلموه ...».