وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (١١)
سورة تحمل ـ فيما تحمل ـ أحكاما تربوية جماعية أخلاقية ، جارفة التصورات الخاطئة ، والتصرفات الغالطة ، والعادات الجاهلة ، منشأة أسسا جديدة ، ومبادئ عالية ، في نفوس الجماعة المسلمة ، ولكي تحمل دعوة الإسلام آمنة مطمئنة لمن يبتغي السلام.
(قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ).
طرف من عنت الجاهلية بحق المرأة المظلومة المنكوبة ـ بين مئات الأعنات ـ أن الرجل كان يغضب على امرأته فيحرمها على نفسه بالظهار قائلا : «أنت عليّ كظهر امي» فتحرم عليه ، ولا تطلق منه كالمعلقة : لا أيّم ولا ذات بعل ، ظلما ما أفحشه بحقها وبحقه أيضا.
فالإسلام منذ بزوغه في أفق الجزيرة ، أخذ يجرف هذه الهرطقات آونات حدوثها ، ومن ذلك الظهار : ظاهر رجل من امرأته فأتت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم تجادله في زوجها ، وتشتكي الى الله بأسها وبؤسه ، والرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم لا يملك حكما ولا جوابا حتى يأتيه الوحي ، فانصرفت آئسة بائسة ، فإذا بالوحي يأتيه حاملا تفاصيل الحكم : (قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ ...).
إن الله تعالى يسمع الأقوال لا كما نسمعها ، ويبصر الأحوال لا كما نبصرها ، فإنه سميع لا بآلة ، بصير لا بأداة ، فطالما يكلمنا عن نفسه بلغتنا لكي نتفهم ، ولكنه لا يعني منها إلا ما يناسب ساحة قدسه دون مناسبات الممكنات ، فسمعه وبصره هما علم ما يسمع وما يبصر ، دون سمع ولا بصر كما لسواه.