وهنا سمع أول ، يشمل سمع العلم بالشكوى ، وسمع إجابتها : (قَدْ سَمِعَ اللهُ ...) وسمع ثان علّه يخص الأول : (وَاللهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما) أو يشمل الثاني ، وثالث يعمهما أيضا : (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ) : الدعاء : قولا وإجابة (بَصِيرٌ) بموارد الإجابة ، يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء.
وهل تجوز مجادلة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم للشكاة على المشكي عنهم ، وليس الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم بالذي يتخلى عن الحكم الحق وفصل الخصومات والإنتصار للمظلومين؟.
إن الاشتكاء إلى الله هنا يوحي بأن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم ما كان يملك حكما حينها ، فالمشتكية عن زوجها ما ملكت نفسها حتى جادلت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لامسا بكرامته ، وإنما طبيعة المضطر الذي يضيق عليه المخرج أن يجادل الحاكم ويشتكي إلى الله الذي فوقه لكي يحكم ويحلّ ، فالاشتكاء إظهار ما بالإنسان من مكروه رجاء حلّه ، فإذا لم يجد حلا عند الخلق يرفع شكواه إلى الخالق ، وهذه هي السنة السنية أن يشتكى الى المؤمن فإنه شكوى الى الله ، فلو قصر أو قصّر رفعها الى الله ، توسلا بالأسباب ، ثم الى مسبب الأسباب ، وهي الطريقة المثلى ، دون الاقتصار على الأسباب ، أو رفضها بتاتا والاشتكاء الى الله في كل قليل وجليل! ثم الجدال ـ لغويا ـ لا توحي بسوء ، فمنها شيء ومنها حسن ومنها أحسن ، ولم تكن شكوى المظاهر منهما الى الله على رسول الله ، وإنما على المظاهر ، ولقد كان النبيون يجادلون الله : (فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ) (١١ : ٧٤) : جدال خير ، رغم (إِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ) (٦ : ١٢١) : جدال شر ، فإن الجدال أصله المفاوضة للإحكام ، من جدلت الحبل : أحكمت فتله : إحكام حق أو باطل ، وما كانت المظاهر منها تجادله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلا لإحكام حقها وانتصارها على زوجها المظاهر ، في محاورة : مرادّة بينها وبين الرسول : تقول : «يا رسول الله إن فلانا زوجي ، وقد نثرت له بطني وأعنته على دنياه وآخرته ولم ير مني مكروها ، أشكوه إليك ، فقال : فيم تشكونيه؟ قالت : إنه قال : «أنت عليّ حرام