فقد تكون النجوى خالية عن الإيذاء والإزراء والمؤامرة ، وإنما بالبر والتقوى كما في تناجي الرسول والمؤمنين ، فهي راجحة أو واجبة ، وقد تكون محزنة ومؤذية للمؤمنين وإن لم تكن فيما يضرّهم ، فهي محرّمة تشملها الآية.
وقد وردت الأحاديث النبوية بالنهي عن التناجي في الحالات التي توقع الريبة ، وتزعزع الثقة ، وتبعث التوجّس ، وعلى حدّ قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم : (... ما هذه النجوى! ألم أنهكم عن النجوى؟» (١). كما عن الرسول الأقدس صلّى الله عليه وآله وسلّم : (إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث ، فإن ذلك يحزنه) (٢). اللهم إلا فيما لا مندوحة عنه وهو أوجب من وجوب رعاية أشخاص المؤمنين ، كالتناجي فيما يهمّ الدولة الاسلامية ، ويجب إسراره لأنه من أسرار الدولة ، تقديما للواجب الأهمّ.
وقد تكون مؤامرة ضد المسلمين ومؤذية للمؤمنين : (ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ) ، فتشملها الآيات : هذه والمسبقتان ، حرمة مضاعفة ، سواء أكانت من المؤمنين ، أم من المنافقين ، مهما كانت مختلفة في دركاتها.
والنجوى اللئيمة لا تضرّ المؤمنين ـ كما الشيطان لا يضرّ ـ إلا بإذن الله ، ألا يمنع أذاها ، بأن لا يخبر الرسول والمؤمنين بمؤامرات المنافقين السرية ، فيقعوا في فخاخهم من غير علم ، بلوى وامتحانا من الله ، لا امتهانا!.
وفي هذه المحن لا سبيل للخلاص إلا التوكل على الله أن يكفى بأسهم ، بعد
__________________
(١) الدر المنثور ٦ ـ ١٨٤ أخرج البخاري ومسلم وابن مردويه عن ابن مسعود قال : قال رسول الله (ص) : ... وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد قال : كنا نتناوب رسول الله (ص) يطرقه أمر ويأمر بشيء فكثر أهل النوب والمحتسبون ليلة ، حتى إذا كنا نتحدث فخرج علينا رسول الله (ص) من الليل فقال : ما هذه النجوى؟ ألم تنهوا عن النجوى!.
(٢) مسند احمد بن حنبل ٣ : ٣٠.