فما فسح لهم في المكان ، فأمرهم الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم «تفسّحوا» وأمر بعضهم «فانشزوا» : ارفعوا.
أجل وإن فسح المكان والمجال للأفضل والأعلم فرض من الله إكراما للعلم والإيمان (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ).
فعلى المؤمنين النابهين أن يفسحوا أو ينشزوا : يقوموا للأفضل منهم ، وعلى القائد المسئول عن تنظيم الجماعة المسلمة أن يأمر الغافلين غير العارفين أن يتأدبوا بهذا الأدب الرائع ، ولكي يكون الجو دائما جو التفضيل للأفضل ، فالتنافس في الفضائل ، وهذه الفسحة في المكان تتخطاهم الى فسحة في النفس ، ووسعة في الصدر ، ورحبة في القلب ، فمتى رحب القلب اتسع وتسامح واستقبل الجالس إخوانه بالحب والسماحة. كما وأن النشوز عن المكان يتخطاه الى النشوز والرفعة في المكانة.
(تَفَسَّحُوا ... يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ) : في الدنيا أن يخرجكم عن ضيق الحياة وضنك العيش ، وفي الآخرة ألا يضيق عليكم في الحساب ، فيدخلكم في فسيح جنته ووسيع رحمته.
إن ذيل الآية (يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ) يتجاوب تماما وما استوحيناه ، أن واجب التوسع والنشوز هو للقادم الأفضل في العلم أو الإيمان ، مهما كان راجحا لغير الأفضل تأدبا ، وكما فعله الرسول الأقدس صلّى الله عليه وآله وسلّم بالقادمين من أهل بدر (١) ، وفعله الإمام علي بن محمد النقي عليه السّلام برجل من فقهاء
__________________
(١) الدر المنثور ٦ : ١٨٥ ـ نزلت الآية يوم الجمعة وجلس رسول الله (ص) يومئذ في الصفة وفي مكان ضيق وكان يكرم أهل بدر من المهاجرين والأنصار ، فجاء ناس من أهل بدر وقد سبقوا الى المجلس ، فقاموا حيال رسول الله (ص) فقالوا : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، فرد النبي (ص) عليهم ، ثم سلموا على القوم بعد ذلك فردوا عليهم ، فقاموا على أرجلهم