الرسول (ص) وخوف من الصدقات ، وخوف من الله في تركها ، فابتلوا بهذه البلية ، ولو استمرت لكانت بلاء لزاما ، ولكنه تعالى : (وضعها عنهم بعد ان فرضها عليهم برحمته ومنّه) وكما يروى عن الرسول (ص) (١).
لذلك تاب الله عليهم : ان غفر لهم إذ لم يفعلوا ، ونسخ الوجوب لكيلا يبتلوا ، توبتان من الله عليهم ، شرط أن يواصلوا في إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وطاعة الله ورسوله ، فيتركوا الإثم والعدوان ومعصية الرسول المسبق ذكرها (وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) من صالحات وطالحات.
فلم تكن المناجاة واجبة حتى يتوب الله عليهم في تركها ، ولا الصدقة واجبة لولاها حتى يتوب عليهم إذ لم يقدموها ، وإنما الواجب تقديم الصدقة عند المناجاة ولم يفعلوها : (فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللهُ عَلَيْكُمْ) : ناجيتم ولم تقدموا صدقات «فهل تكون التوبة إلا عن ذلك» كما يروى عن صاحب النجوى عليه السلام (٢).
وكما أسلفناه لم تكن الخطيئة للجميع ، وإنما للمجموع ، أن جماعة من الأثرياء ضنّوا بالعطاء وتناجوا ، كما كانوا يضنون بإفساح المجال للقادمين الفضلاء لمجلس الرسول (ص) فوبخهم الله تعالى ، دون من ترك المناجاة لعلل مسبقة ، اللهم إلا إشفاق الصدقة ، فتاب الله على من لم يفعل : الصدقة بعد المناجاة ، أو لم يفعل المناجاة خشية الصدقة ، وتاب عليهم في فرض الصدقة ان نسخها.
__________________
(١) الاحتجاج للطبرسي عن النبي (ص) حديث طويل في مكالمة بينه وبين اليهود وفيه : فأنزل الله عز وجل ألا يكلموني حتى يتصدقوا بصدقة وما كان ذلك لنبي قط (ثم ذكر (ص) الآية وقال) : ثم وضعها عنهم بعد ان فرضها عليهم برحمته ومنه. (نور الثقلين ٥ : ٢٦٤).
(٢) الخصال للصدوق في مناقب أمير المؤمنين وتعدادها قال : وأما الرابع والعشرون فإن الله أنزل على رسوله (وذكر آية النجوى والقصة ثم قال) : فو الله ما فعل هذا أحد من الصحابة قبلي ولا بعدي فأنزل الله عز وجل (وذكر الآية الناسخة ثم قال) : فهل تكون التوبة إلا عن ذلك؟ (نور الثقلين ٥ : ٢٦٥).