وإبدال صدقة النجوى بهذه الواجبات يوحي بأنها لم تكن من مهام الواجبات ، ولا الأصيلة منها ، وإنما هي ابتلائية ، ولذلك نسخت إذ أطاقها المسلمون وأشفقوا منها ، إلا أن طاعة الله والرسول هنا تربطهم برباط التنظيم في نجواهم ، وأن يخرجوا عن فوضاها ، والاستئثار بها دونما ملزم أو مرجح ، فكما الأفضل علما وإيمانا يفسح له وينشز ، كرامة للعلم والإيمان ، فبأحرى يقدم الأفضل فيهما في مناجاة الرسول (ص).
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ ما هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) :
حملة قوية على المنافقين الذين يتظاهرون بالإيمان ويسرون الكفر ، متآمرين في إسرارهم ضد المسلمين ، ف «ما هم منكم» لكفرهم المبطن «ولا منهم» لإظهارهم الإسلام : (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ) (٤ : ١٤٣) وإن كان كلّ متول لقوم ، منهم : (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) (٥ : ٥١) : هو منهم فيما به الكافر كافر وهو كفر القلب والضمير ، فالمنافق مؤمن اللسان وكافر القلب ، فهو ليس مؤمنا خالصا ، ولا كافرا خالصا ، وإن كان من حزب الكفار أصالة ، فالآيتان تتجاوبان دون تهافت واختلاف.
إنهم يعيشون نفاقا عارما ، وفيما يفضحهم الله ، أن يخبر الرسول (ص) والمؤمنين بمكائدهم اللئيمة (يَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ) : أنهم براء مما قيل عليهم ، وأنهم مؤمنون حقا ، ويحلفون على الكذب في صدهم المؤمنين عن سبيل الله ، علّهم يصدقونهم بجنة الحلف ، فهم يعيشون الكذب على الله وعلى الرسول والمؤمنين علّهم يفلحون في كيدهم ، ويفلحون المؤمنين في ميدهم ، (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) بكذبهم ، وهذا الحلف الكذب يعني محاولة استمرارهم في كيدهم ، ويوحي بضعفهم وجاه الدولة الإسلامية آنذاك ، إذ كانت قوية سائدة.