(وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) تشرق قلوبهم بهذه الروح النورانية ، فالروح ـ بوجه شامل ـ ما به الحياة ، نباتية وحيوانية وعقلانية إنسانية ، وإيمانية ، وإلهامية مسددة للإيمان ، وقدسية بالوحي ، فالأخيرة خاصة برسل الوحي ، وهي روح في روح الإلهام ، كما أن هذه خاصة بالرعيل الأعلى من المؤمنين ، وهي روح في روح الإيمان ، وهذه عامة لمختلف درجات المؤمنين ، وهي روح في روح الإنسان ، كما أنها عامة لبني الإنسان العقلاء ، وهي روح في روح الحيوان ، وهذه عامة لمطلق الحيوان كما هي روح لروح النبات ، فالروح القدسية هي روح الأرواح كلها ، وقس عليها ما قبلها لما دونها في المكانة من الأرواح ، فكل روح كجسد لما فوقه ، وهي كروح لما دونه من أرواح.
فالإيمان المكتوب المستقر في القلب هو يستحق روح الإلهام ، دون المستودع : (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ) (٦ : ٩٨) كما ان الايمان المستقر الملهم قد يصطفى لرسالة السماء فيزوّد صاحبه بروح القدس : روح النبوة وروح الوحي.
وقد يعبر عن روح الإلهام بفرقان من الله نتيجة التقوى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً) (٨ : ٢٩) وهو نور في القلب يفرق بين الحق والباطل إذا اختلطا وضاق المخرج : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) (٦٥ : ٣) فهذه الروح ـ دوما ـ شريطتها التقوى وعلى حدّ تفسير الإمام الرضا (ع) (١). ثم كان عاقبة هؤلاء الأماجد بما آمنوا واتقوا : «ويدخلهم» الله (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها) دخول
__________________
(١) اصول الكافي بإسناده الى أبي خديجة قال : دخلت على أبي الحسن (ع) فقال لي : «إن الله تبارك وتعالى أيد المؤمن بروح منه تحضره في كل وقت يحسن فيه ويتقي ، ويغيب عنه في كل وقت يذنب فيه ويعتدي ، فهي معه تهتز سرورا عند إحسانه ، وتسيخ في الثرى عند إساءته ، فتعاهدوا عباد الله نعمه بإصلاحكم أنفسكم تزدادوا يقينا وتربحوا نفيسا ثمينا ، رحم الله امرءا هم بخير ففعله ، او هم بشر فارتدع عنه ، ثم قال : نحن نؤيد بالروح بالطاعة لله والعمل له» (نور الثقلين ٥ : ٢٦٩).