من الشعرية المنثورة ، رغم أن القرآن ليس شعرا ، بل ولا نثرا فيما نعرف ، إنه كلام الله خارجا عن الشعر والنثر في ألفاظه ، كما هو خارج عما عرفه الإنسان في معانيه.
والاستفهام في الآية بالنسبة للثقلين للتنديد والتخجيل ، وبالنسبة لآلاء الرب للتجليل ، فآلاء الرب ونعمه ظاهرة فيها ربوبيته ، باهرة رحمته ، إلا النعم التي نبدلها نحن نقما وكفرا : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ) (١٤ : ٢٨) (وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) (٢ : ٢١١).
إن تكذيب النعمة دركات ، كما وأن تصديقها درجات : جوانح وجوارح وأعمالا ، والدرك الأسفل من تكذيبها أن تشارك فيه الثلاث : قولا وقلبا وقالبا ، والدرج الأعلى من تصديقها مثلث التصديق ، وبينهما في كل منهما متوسطات.
(خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ. وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).
إن خلق الإنس والجان هو النعمة القمة لهما ، كأصل للقاعدة لسائر النعم التي تتواتر لهما ، فما هو صلصال ، وما هو مارج من نار؟
الصلصال هو الطين اليابس المنتن الذي يتردد منه الصوت إذا وطئ : (إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) (١٥ : ٢٨) : طين أسود منتن (إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ) (٣٧ : ١١) : شديد الثبوت ، فطين الإنسان صلصال من حماء مسنون لازب : طين أسود نتن لازق كالفخار : الطين المطبوخ بالنار : الخزف ، وهذا هو مخمر الطين وخالصه ، كما الإنسان هو خالص الكون الترابي ، وهذا يرمي إلى صنع أول إنسان ، فإن نسله ليسوا من هكذا طين : والترتيب الخلقي أنه كان ترابا ، ثم طينا ، ثم حمأ مسنونا لازبا ، ثم صلصالا كالفخار.
(وَخَلَقَ الْجَانَّ) أصل الجان ، دون الأنسال الذرية المخلوقة من إنساله :