(أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ) (١٨ : ٥٠) .. خلقه (مِنْ مارِجٍ) : قلق مازج (مِنْ نارٍ .. وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ) (٣٢ : ٧) فالمرج أصله الخلط والمزج ، من مرج ، والمرج هو القلق والاضطراب من مرج :
(بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ) (٥٠ : ٥) ، والهرج والمرج بمعنى ، ومرجه هو المرج ، سكنت ازدواجا للكلام ، فالمارج من نار هو القلق منها (١) : اللهيب المنطلق عنها المازج ، الخليط من نار : خليط من مختلف لهيبها بألوانها : أحمر وأصفر وأخضر (٢) وعلّه الى سائر ألوانها التي اكتشف العلم عن سبحة منها ، أم ماذا! وخليط بسموم ، لأنه مخلوق (مِنْ نارِ السَّمُومِ) :
التي تلتهب من سمّ قوي ، إذا فأصل الجن من مارج : قلق مازج ، من نار السموم (٣) : السم الفاتك عند اشتعاله ، وعلّه مختلف السمّ أو قويه أم ماذا.
وترى لو خلق الجان من النور بدلا عن النار ، أو خلق الإنسان من تراب طيب بدلا عن الصلصال كالفخار ، أما كان أحسن آلاء وأقل بلاء؟ فكيف يمتنّ الله على الإنسان والجان في خلقهما مما خلقا؟!.
الجواب : أنه أعلم بما خلق ومما خلق ، فلو لا النار لم يكن الجان جانا وإنما ملكا ، ولو لا الصلصال الحمأ المسنون اللازب لم يكن الإنسان إنسانا وإنما كائنا آخر ، فخلق كلّ كما هو الآن ـ بما يحملان من إعدادات واستعدادات ـ
__________________
(١) في الحديث عنه (ص) : كيف أنتم إذا مرج الدين فظهرت الرغبة واختلف الاخوان وحرق البيت العتيق ، وفي آخر عنه (ص) : كيف أنت إذا بقيت في حثالة من الناس قد مرجت عهودهم وأماناتهم.
(٢) الدر المنثور ٦ : ١٤١ عن مجاهد في (مارِجٍ مِنْ نارٍ) قال : اللهب الأصفر والأخضر الذي يعلوا النار إذا أوقدت ، وعن سعيد بن جبير : الخضرة التي تقطع من النار السوداء الذي يكون بين النار وبين الدخان.
(٣) إنما فسرنا المارج بالمعنيين ، لأنه لو أريد أحدهما فحسب لجيء بأحدهما فحسب : خليط أو قلق ، فذكر المارج دليل على قصدهما معا ، ولأنه عني منه القلق وهو لازم ، فلا يعني من مزجه المتعدي ، حتى يفسر بنار مزجت غيرها بشيء ، وإنما لازمه الذي هو الانمزاج.