كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ) (٢٩ : ٤٨).
ان الامية ـ وهي النسبة إلى الام ـ تعني الجهل واقعيا أو نسبيا ، واقعيا لمن يجهل كل شيء وحيا وسواه : أن ظل لا يعلم شيئا كما ولد من أمه : (وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً) (١٦ : ٧٨) وهذه هي الامية المحضة.
ثم النسبية فهي درجات : ممن درس علوما غير كتابية ، فإنه أمي بالنسبة للوحي الكتابي مهما كان مثقفا في سواه ولأعلى درجات الثقافة ، فهو من الأميين وجاه الذين أوتوا الكتاب وإن لم يدرسوا ما درسه : (قُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ).
ومن أوتي الكتاب ولا يفهمه إلا أماني : (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَّ) فهو أمي في علم الكتاب رغم أنه كتابي.
ومن أوتي الكتاب وعلمه ، ولكن لم يؤمن بالوحي الأخير «ام الكتاب : القرآن الكريم» فإنه أمي بالنسبة لعلم القرآن مهما كان عبقريا في سائر الوحي قبل القرآن ، وفي سائر العلوم سوى الوحي ، وهذه هي حالة المكلفين أجمع ومنهم الرسول الامي ، ومعه ملائكة الوحي وجبريل ، حالتهم قبل وحي القرآن : انهم كلهم أميون ، الموحدون منهم والمشركون.
فالرسول محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم أمي كسائر الأميين بالنسبة للقرآن قبل وحيه ، إضافة إلى أنه لم يقرء على أي مقرئ ولم يكتب عند أي كاتب قبل نزول القرآن ، وإن كان موحدا يلهم بواسطة أفضل ملك من ملائكة الوحي ليلة ونهاره يرشده سبيل المكارم ويعلمه أحسن أخلاق العالم.
انه امي مبعوث في الأميين وهم كافة المكلفين في الطول التاريخي والعرض الجغرافي ، في السماوات والأرضين : (لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها)!
ولئن كان الأميون في آية الجمعة هم أهالي ام القرى ، فهو رسول فيهم ، لا إليهم خاصة ، وإنما «فيهم» وهو رسول العالم أجمع ، لأنه ولد فيهم ، وانهم