لا يخلو أي يوم ـ منذ الخلقة ـ من شأنه أيا كان.
فلله تعالى ، شأنه يوم الدنيا ويوم الدين ، ولا يشغله شأن عن شأن ، ولا يتبع أهواء خلقه في أي من شأنه (ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض) (٢٣ : ٧١) وإنما يحكم ما يشاء كما يشاء ويفعل ما يريد كما يريد : (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ) (٢١ : ٢٣).
ففي سماحهم لسؤاله تعالى آلاء ، ولإجابته ما يصلح من سؤال آلاء ، ولرجوع الرحمتين إلى الانس والجان آلاء (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).
(سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) إنه تعالى ليس له هكذا شأن في اليوم العصيب ، والهول الرهيب ، وإنما شأنه الفراغ للأنس والجان ، للمسائلة الحساب ، ومن ثم الثواب والعقاب.
وترى إذا لم يفرغ للثقلين يعيى عن الحساب ، أو يخطأ في الحساب ، ولا يشغله شأن عن شأن؟
الجواب : أن فراغه للحساب حقيقة ومبالغة ، حقيقة لأنه فرغ عن شأن النشأة الاولى لشأن الاخرى وليس إلا الحساب وما يخلفه ، ومبالغة إذ يعني : سنعيد لكم ونفعل فعل من يتفرغ للعمل من غير تفجيع فيه ولا اشتغال بغيره عنه ، فالعامد لشيء مع غيره ربما قصر فيه أو أخطأ ، والفارغ له لا يقصر ولا يخطأ ، فقد دللنا هنا بذلك على المبالغة للمسائلة الحساب ـ دون عذوب عنه ولا نقصان أو نسيان ـ من الجهة التي نتعودها ، ليقع الزجر بأبلغ الألفاظ وأدلّ الكلام على معنى الإيعاد تقريبا للتصور عن صورة مذهلة مزلزلة للعذاب ، تسحق كيان مصورها سحقا ، وتمحقه محقا ، كيف أن الذي لا يشغله شأن عن شأن ، سيفرغ لكم أيها الثقلان؟! والثقلان هما الانس والجان من الثقل : الثقل ، مما يوحي أنهما الأفضلان