(جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) : لا بما كانوا يعلمون أو يأملون ، أو بما كانوا يعتقدون أو يؤمنون ، وإنما عمل الإيمان الذي كانوا به يداومون.
هذا طرف من نعيم الجنة الجسدانية ، فإليكم طرفا من الجنة النفسانية :
(لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً. إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً) فلما ذا اللغو هناك وهم غارقون في نعمة الله ومعرفته ، ولماذا التأثيم ولا إثم هناك ولا تأثيم ، فإن بواعث اللغو ، وهواجس اللهو ، ووساوس النفس هناك منفية ، لأنهم ظهروا على الحقائق كلها وظهرت لهم ، وكملت عقولهم وأحلامهم (وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ) (٤٧ : ٣٦) فلا أضغان تدفع الى تناحرات ، ولا غلّ يدعو لتنافرات : (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ) (١٥ : ٤٧) فدافع اللغو والتأثيم ، جهل تحول الى العلم والمقربون كانوا عالمين ، أو طيش استقر بالنعيم ، وهم كانوا يملكون طيشهم ، أو جهالة تحولت الى معرفة وهم كانوا عارفين ، فلا لذة لهم أحلى من العبودية ، ولا ذلة لهم أبلى من ترك العبودية ، فحياتهم هناك حياة أمن واستقرار بإيمان ، دون شغب ولا نصب ، ف (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً) فضلا عن أن يأتوا به (إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً) :
قيل من رب العالمين : (سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) (٣٦ : ٥٨) وقيل من الملائكة المقربين : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) (١٣ : ٢٤) وقيل من سائر المقربين وسائر أهل النعيم : (تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ) (١٠ : ١٠) فهي لهم سلام ودار السّلام : (لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ) (٦ : ١٢٧) (ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ) (١٥ : ٤٦) فليست لهم فيها إلا قيلات السّلام وحيات السّلام يرف عليهم فيها السّلام ، فالجو كله سلام سلام ، فانه دار السّلام ، وصاحبها هو الله السّلام.
ومن قيل السّلام السّلام ، قيلات تحمل تزويدهم بمعرفة الرحمان وذكره