من المعانى الواقعة فى حيز الشر والرذيلة ، فجعلوا النار موصوفة بالوحدة وبالسكون وبالتوسط فى المكان ، وجعلوا الأرض موصوفة بالكثرة والحركة والوقوع فى الطرف.
وقالوا إن فى العالم أرضين كثيرة ، وإنها هى التي تتوسط بين أبصارنا وبين (١) النيّرين ، فيكسفهما (٢) بالستر ، لا بالمحو. (٣)
وهؤلاء قد تكلفوا ما لا يستقيم لهم. وكيف السبيل إلى أن يوجد فى النار كل معنى واقع فى حيز (٤) الخير ، وفى الأرض كل معنى واقع فى حيز الشر ، ومتى يمكن (٥) هذا؟ فإن النار مفرطة الكيفية مفسدة ، والأرض معتدلة ولا تفسد ؛ (٦) والنار أسرع حركة فى المكان القريب (٧) من الأرض ، وأقبل للعدم أو التفرق (٨) فلا يظهر للحس. والأرض أبطأ حركة ، وأثبت وجودا فى الحيز (٩) القريب. ثم حيز الأرض حيز الحياة وحيز النشوء (١٠) للنبات والحيوان. وحيز النار مضاد لذلك. (١١)
ولا يبعد أن نجد (١٢) للأرض من الأوصاف المحمودة عدد (١٣) ما نجد (١٤) للنار. وهب أن الحس البصرى يثنى على النار ؛ فلنسمع (١٥) ما يقوله الحس اللمسى. وليس الاستحسان أشرف من الاستنفاع ، كما أنه ليس الحسن غير النافع (١٦) أفضل من النافع غير الحسن ، (١٧) أعنى بالحسن (١٨) الحسن المنظرىّ.
على أنه لا القول الذي قالوه ، ولا الجواب الذي أجبنا به من جنس الكلام البرهانى. لكن الأصول توجب (١٩) علينا أن نعتقد أن الأرض واحدة إلى أن نوضح (٢٠) ذلك.
فنقول إن الأرضين كلها صورتها الطبيعية واحدة ، وقد علم من قبل أن الأشياء التي
__________________
(١) ط : بين (٢) م ، فيكسفهما
(٣) م ، ط : بالمحق (٤) م : الحيز
(٥) م : يكون (٦) د : لا تفسد
(٧) م ، ط : الغريب (٨) د : والتفرق.
(٩) ط : حيز (الأولى) م : حيز الأرض
(١٠) م : الشر ، وفى «سا» البشر
(١١) د : حصاد لذلك (١٢) ط : تجد (الأولى) م
(١٣) د : عدد الحد. (١٤) ط : تجد (الثانية)
(١٥) م : فيسمع ، وفى ط : فليسمع
(١٦) ط ، د : الغير النافع
(١٧) ط ، د : الغير الحسن
(١٨) م : بالحس
(١٩) م ، ط : يوجب
(٢٠) د : يوضح