وقوة متخيلته ومتذكرته فلا تشغلها المحسوسات عن أفعالها الخاصة ، ومنهم يرى ذلك لزوال تمييزه (١) ولأن النفس التي له منصرفة عن التمييز. (٢) ولذلك فإن تخيله قوى ، فهو قادر على تلقى الأمور الغيبية فى حال اليقظة. فإن النفس محتاجة فى تلقى فيض الغيب إلى القوة الباطنة من وجهين : أحدهما ليتصور فيها المعنى الجزئى تصورا محفوظا ، والثاني لتكون معينة لها متصرفة فى جهة إرادتها ، لا شاغلة إياها ، جاذبة (٣) إلى جهتها ، فيحتاج إلى نسبة بين الغيب وبين النفس والقوة الباطنة المتخيلة ونسبة بين النفس والقوة الباطنة المتخيلة فإن كان الحس يستعملها أو العقل (٤) يستعملها على النحو العقلى الذي ذكرناه لم تفرغ لأمور أخرى ، مثل المرآة إذا شغلت عن جهة وحركت (٥) نحو جهة فإن كثيرا من الأمور التي من شأنها أن ترتسم فى تلك المرآة مغافصة ومباغتة (٦) لنسبة ما بينهما لا ترتسم. وسواء كان هذا الشغل من الحس أو من ضبط العقل ، فإذا فات (٧) أحدهما أو شك أن تتفق النسبة المحتاج إليها ما بين (٨) الغيب وبين النفس والقوة المتخيلة ، وبين النفس وبين القوة المتخيلة ، فيلوح فيها اللائح على نحو ما يلوح.
ولأنا قد انتقل بنا (٩) الكلام فى التخيل إلى أمر الرؤيا فلا بأس أن ندل يسيرا على المبدأ الذي تقع عنه الإنذارات فى المنام بأمور نضعها وضعا. وإنما يتبين (١٠) لنا فى الصناعة التي هى الفلسفة الأولى ، فنقول : إن معانى جميع الأمور الكائنة فى العالم مما سلف ومما حضر (١١) ومما يريد أن يكون موجودة فى علم البارئ والملائكة العقلية من جهة وموجودة فى أنفس الملائكة (١٢) السماوية من جهة ، وستتضح لك الجهتان فى موضع آخر. وإن الأنفس البشرية أشد مناسبة لتلك الجواهر الملكية منها للأجسام المحسوسة ، وليس هناك احتجاب ولا بخل ، إنما الحجاب للقوابل إما لانغمارها فى الأجسام وإما لتدنسها بالأمور الجاذبة إلى الجنبة السافلة ، وإذا
__________________
(١) تمييزه : تميزه ك
(٢) التمييز : التميز ك.
(٣) جاذبة : + لها ف.
(٤) أو العقل : والعقل م.
(٥) وحركت : وحركة م.
(٦) ومباغتة : ومباغية ك.
(٧) فات : مات م.
(٨) ما بين : بين ت.
(٩) بنا : منا ك.
(١٠) يتبين : تبين ك.
(١١) حضر : خص م.
(١٢) العقلية ... الملائكة : ساقطة من م.