وقع لها أدنى فراغ من هذه الأفعال حصل (١) لها مطالعة لما ثم ، فيكون أولى ما تستثبته ما يتصل بذلك الإنسان أو بذويه أو ببلده أو بإقليمه. فلذلك (٢) أكثر الأحلام الذي تذكر تختص بالإنسان الذي حلم بها وبمن يليه ، ومن كانت همته المعقولات لاحت له ، ومن كانت همته مصالح الناس رآها واهتدى إليها ، كذلك على هذا القياس. وليست الأحلام كلها صادقة ، وبحيث يجب أن يشتغل بها ، فإن القوة المتخيلة ليس كل محاكاتها إنما تكون لما يفيض على النفس من الملكوت ، بل أكثر ما يكون منها ذلك إنما يكون إذا كانت هذه القوة قد سكنت عن محاكاة أمور هى أقرب إليها. والأمور التي هى أقرب إليها منها طبيعية ، ومنها إرادية. فالطبيعية هى التي تكون من ممازجة (٣) قوى الأخلاط للروح التي تمتطيها (٤) القوة المصورة والمتخيلة ، فإنها أول شىء إنما تحكيها وتشتغل بها. وقد تحكى أيضا آلاما تكون فى البدن وأعراضا فيه ، مثل ما يكون عند ما تتحرك القوة الدافعة للمنى إلى الدفع ، فإن المتخيلة حينئذ تحاكى صورا من شأن النفس أن تميل إلى مجامعتها ، ومن كان به جوع حكى له مأكولات ، ومن كان (٥) به حاجة إلى دفع فضل حكى له (٦) موضع ذلك ، ومن عرض لعضو منه أن سخن أو برد بسبب حر أو برد حكى له أن ذلك العضو منه موضوع فى نار أو فى ماء بارد. ومن العجائب أنه كما يعرض من حركة الطبيعة لدفع المنى تخيل ما ، كذلك ربما عرض تخيل ما لصورة مشتهاة بسبب من الأسباب ، فنبعث الطبيعة إلى جمع المنى وإرسال الريح الناشرة (٧) لآلة الجماع وربما قذفت المنى ، وقد يكون هذا فى النوم واليقظة جميعا وإن لم يكن هناك (٨) هيجان وشبق.
وأما الإرادية فان يكون فى همة النفس وقت اليقظة شىء تنصرف النفس إلى تأمله وتدبره ، فإذا نام أخذت المتخيلة تحكى ذلك الشىء وما هو من جنس ذلك الشىء ، وهذا هو من بقايا الفكر التي تكون فى اليقظة ، وهذه كلها أضغاث أحلام. وقد تكون أيضا من تأثيرات الأجرام السماوية ، فإنها قد توقع بحسب مناسباتها ومناسبات نفوسها
__________________
(١) حصل : حصلت م.
(٢) فلذلك : ولذلك ف ؛ فكذلك م.
(٣) من ممازجة : بممازجة ك ، م
(٤) تمتطيها : تميطها د ؛ تمطيها ك.
(٥) ومن كان : وكان د.
(٦) له : به د.
(٧) الناشرة : الناشر م.
(٨) هناك : + أيضا د ، ف ، م.