الألفاظ التي يدل عليها قولك : كل إنسان حيوان ، وجدت كل معنى منها كليا لا يتصور إلا فى جوهر غير بدنى ، ووجدت لتصورها فيه تقديما وتأخيرا ؛ فإن غيرت ذلك حتى كان ترتيب المعانى المتصورة الترتيب المحاذى لقولك : الحيوان محمول على كل إنسان (١) لم تشك أن هذا الترتيب من حيث هو ترتيب معان كلية لم يترتب إلا فى جوهر غير بدنى ، وإن كان أيضا يترتب من وجه ما فى الخيال فمن حيث المسموع لا من حيث المعقول ، وكان الترتيبان مختلفين ، والمعقول الصرف منهما (٢) واحد ؛ والثاني أن يكون قد حصل التصور واكتسب ، لكن النفس معرضة عنه ، فليست تلتفت إلى ذلك المعقول ، بل قد انتقلت عنه مثلا إلى معقول آخر ، فإنه ليس فى وسع أنفسنا أن تعقل الأشياء معا (٣) دفعة واحدة. ونوع آخر من التصور وهو مثل ما يكون عندك فى مسألة تسأل عنها مما علمته أو مما هو قريب من أن تعلمه (٤) فحضرك جوابها فى الوقت ، وأنت متيقن بأنك تجيب عنها مما علمته من غير أن يكون هناك تفصيل البتة ، بل إنما تأخذ فى التفصيل والترتيب فى نفسك مع أخذك فى الجواب الصادر عن (٥) يقين منك بالعلم به قبل التفصيل والترتيب.
فيكون الفرق بين التصور الأول والثاني ظاهرا ، فإن الأول كأنه شىء قد أخرجته من الخزانة وأنت تستعمله ، (٦) والثاني كأنه شىء لك مخزون متى شئت استعملته ، والثالث يخالف الأول بأنه ليس شيئا مرتبا فى الفكر البتة ، بل (٧) هو كمبدإ لذلك مع مقارنته لليقين ، ويخالف الثاني بأنه لا يكون معرضا عنه ، بل منظورا إليه نظرا ما بالفعل يقينا إذ تتخصص معه النسبة إلى بعض ما هو كالمخزون.
فإن قال قائل : إن ذلك علم أيضا بالقوة ولكن قوة قريبة من الفعل ، فذلك باطل ، لأن لصاحبه يقينا بالفعل حاصلا لا يحتاج أن يحصله بقوة بعيدة أو قريبة. فذلك اليقين (٨) لأنه متيقن أن هذا حاصل عنده إذا شاء علمه ، فيكون تيقنه بالفعل
__________________
(١) إنسان : + إن ك.
(٢) منهما : منه د ، ك ، م.
(٣) معا : معه م.
(٤) من أن تعلمه : مما تعلمه ك.
(٥) عن : من ك.
(٦) تستعمله : ستعلمه م.
(٧) بل : + ما ك.
(٨) اليقين : + إما د ، ك ، م.