بعض مرويات عليّ وفقهه ، فإنّا نقول : أنّه لا بدّ أن يكون الحكم الأموي أثّر في إختفاء كثير من آثار عليّ في القضاء والإفتاء ، لأنّه ليس من المعقول أن يلعنون عليّا فوق المنابر ، وأن يتركوا العلماء يتحدّثون بعلمه ، وينقلون فتاويه وأقواله للنّاس وخصوصّا ما كان يتّصل منها بأساس الحكم الإسلامي.
ولكن هل كان إختفاء أكثر آثار عليّ رضى الله عنه ، وعدم شهرتها بين جماهير المسلمين سبيلا لإندثارها وذهابها في لجّة التّأريخ إلى حيث لا يعلم بها أحد ...!! أنّ عليّا رضي الله عنه قد استشهد ، وقد ترك وراءه من ذرّيّته أبرارا أطهارا كانوا أئمّة في علم الإسلام ، وكانوا ممّن يقتدى بهم ، ترك ولديه في فاطمة الحسن ، والحسين ، وترك روّاد الفكر محمّد ابن الحنفيّة ، فأودعهم عنه ذلك العلم ، وقد قال ابن عبّاس : «ما انتفعت بكلام بعد كلام رسول الله صلىاللهعليهوآله كانتفاعي بكتاب كتبه إليّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه (١). وقام أولئك الأبناء بالمحافظة على تراث أبيهم الفكري ، وهو إمام الهدى ، فحفظوه من الضّياع ، وقد انتقل معهم إلى المدينة لمّا انتقلوا إليها بعد استشهاده رضي الله عنه برسول الله صلىاللهعليهوآله وبذلك تنتهي إلى أنّ البيت العلوي فيه علم الرّواية كاملة عن عليّ رضى الله عنه ، رووا عنه ما رواه عن الرّسول كاملا ، أو قريبا من الكمال ، واستكنوا بهذا العلم المشرق في ركن من البيت الكريم» (٢).
وإذا عطفت هذا القول للشّيخ أبي زهرة على قول الشّيخ أبي ريّة السّابق ، فإنّك واصل حتما إلى اليقين بأنّ علم محمّد عند عليّ ، وعلم عليّ عند أبنائه ،
__________________
(١) انظر ، شرح نهج البلاغة لمحمّد عبده : ٣ / ٢٠ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ١٥ / ١٤٠.
(٢) انظر ، الإمام الصّادق : ١٦٢ مطبعة أحمد عليّ مخيبر. (منه قدسسره).