(يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (٦) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (٧) فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ (٨) كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (٩) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ) (١٠)
____________________________________
(يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ) أى أى شىء خدعك وجرأك على عصيانه وقد علمت ما بين يديك من الدواهى التامة والعراقيل الطامة وما سيكون حينئذ من مشاهدة أعمالك كلها والتعرض لعنوان كرمه تعالى للإيذان بأنه ليس مما يصلح أن يكون مدارا لاغتراره حسبما يغويه الشيطان ويقول له افعل ما شئت فإن ربك كريم قد تفضل عليك فى الدنيا وسيفعل مثله فى الآخرة فإنه قياس عقيم وتمنية باطلة بل هو مما يوجب المبالغة فى الإقبال على الإيمان والطاعة والاجتناب عن الكفر والعصيان كأنه قيل ما حملك على عصيان ربك الموصوف بالصفات الزاجرة عنه الداعية إلى خلافه وقوله تعالى (الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ) صفة ثانية مقررة للربوبية مبينة للكرم منبهة على أن من قدر على ذلك بدءا قدر عليه إعادة والتسوية جعل الأعضاء سليمة سوية معدة لمنافعها وعدلها عدل بعضها ببعض بحيث اعتدلت ولم تتفاوت أو صرفها عن خلقة غير ملائمة لها وقرىء فعدلك بالتشديد أى صيرك متعدلا متناسب الخلق من غير تفاوت فيه (فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ) أى ركبك فى أى صورة شاءها من الصور المختلفة وما مزيدة وشاء صفة لصورة أى ركبك فى أى صورة شاءها واختارها لك من الصور العجيبة الحسنة كقوله تعالى (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) وإنما لم يعطف الجملة على ما قبلها لأنها بيان لعدلك (كَلَّا) ردع عن الاغترار بكرم الله تعالى وجعله ذريعة إلى الكفر والمعاصى مع كونه موجبا للشكر والطاعة وقوله تعالى (بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ) إضراب عن جملة مقدرة ينساق إليها الكلام* كأنه قيل بعد الردع بطريق الاعتراض وأنتم لا ترتدعون عن ذلك بل تجترئون على أعظم من ذلك حيث تكذبون بالجزاء والبعث رأسا أو بدين الإسلام الذى هما من جملة أحكامه فلا تصدقون سؤالا ولا جوابا ولا ثوابا ولا عقابا وقيل كأنه قيل إنكم لا تستقيمون على ما توجبه نعمى عليكم وإرشادى لكم بل تكذبون الخ وقال القفال ليس الأمر كما تقولون من أنه لا بعث ولا نشور ثم قيل أنتم لا تتبينون بهذا البيان بل تكذبون بيوم الدين وقوله تعالى (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ) حال من فاعل تكذبون مفيدة لبطلان تكذيبهم وتحقق ما يكذبون به أى تكذبون بالجزاء والحال أن عليكم من قبلنا لحافظين لأعمالكم.