(وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (٣) أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (٤) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (٥) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) (٦)
____________________________________
لهم عليهم مع كونه بعيدا جدا مما لا يجدى نفعا فإن اعتبار كون المكيل لهم حالا كان أو مآلا يستدعى كون الاستيفاء بالمعنى المذكور حتما وهكذا حال ما نقل عن الفراء من أن من وعلى تعتقبان فى هذا الموضع لأنه حق عليه فإذا قال اكتلت عليك فكأنه قال أخذت ما عليك وإذا قال اكتلت منك فكقوله استوفيت منك فتأمل وقد جوز أن تكون على متعلقة بيستوفون ويكون تقديمها على الفعل لإفادة الخصوصية أى يستوفون على الناس خاصة فأما أنفسهم فيستوفون لها وأنت خبير بأن القصر بتقديم الجار والمجرور إنما يكون فيما يمكن تعلق الفعل بغير المجرور أيضا حسب تعلقه به فيقصد بالتقديم قصره عليه بطريق القلب أو الإفراد أو التعيين حسبما يقتضيه المقام ولا ريب فى أن الاستيفاء الذى هو عبارة عن الأخذ الوافى مما لا يتصور أن يكون على أنفسهم حتى يقصد بتقديم الجار والمجرور قصره على الناس على أن الحديث واقع فى الفعل لا فيما وقع عليه فتدبر والضمير البارز فى قوله تعالى (وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ) للناس أى إذا كالوا لهم أو وزنوا لهم للبيع ونحوه (يُخْسِرُونَ) أى ينقصون يقال خسر الميزان وأخسره فحذف الجار وأوصل الفعل كما فى قوله [ولقد جنيتك أكمؤا وعساقلا] أى جنيت لك وجعل البارز تأكيدا للمستكن مما لا يليق بجزالة التنزيل ولعل ذكر الكيل والوزن فى صورة الإخسار والاقتصار على الاكتيال فى صورة الاستيفاء لما أنهم لم يكونوا متمكنين من الاحتيال عند الاتزان تمكنهم منه عند الكيل والوزن وعدم التعرض للمكيل والموزون فى الصورتين لأن مساق الكلام لبيان سوء معاملتهم فى الأخذ والإعطاء لا فى خصوصية المأخوذ والمعطى وقوله تعالى (أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ) استئناف وارد لتهويل ما ارتكبوه من التطفيف والتعجيب من اجترائهم عليه وأولئك إشارة إلى المطففين ووضعه موضع ضميرهم للإشعار بمناط الحكم الذى هو وصفهم فإن الإشارة إلى الشىء متعرضة له من حيث اتصافه بوصفه وأما الضمير فلا يتعرض لوصفه وللإيذان بأنهم ممتازون بذلك الوصف القبيح عن سائر الناس أكمل امتياز نازلون منزلة الأمور المشار إليها إشارة حسية وما فيه من معنى البعد للإشعار ببعد درجتهم فى الشرارة والفساد أى ألا يظن أولئك الموصوفون بذلك الوصف الشنيع الهائل أنهم مبعوثون (لِيَوْمٍ عَظِيمٍ) لا يقادر قدر عظمه وعظم ما فيه ومحاسبون فيه على مقدار الذرة والخردلة فإن من يظن ذلك وإن كان ظنا ضعيفا متاخما للشك والوهم لا يكاد يتجاسر على أمثال هاتيك القبائح فكيف بمن تيقنه وقوله تعالى (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ)