(فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ (٥) خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ (٦) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ (٧) إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ (٨) يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ) (٩)
____________________________________
ذكر من تأكيد فخامة المقسم به المستتبع لتأكيد مضمون الجملة المقسم عليها وإن نافية ولما بمعنى إلا أى ما كل نفس إلا عليها حافظ مهيمن رقيب وهو الله عزوجل كما فى قوله تعالى (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً) وقيل هو من يحفظ عملها ويحصى عليها ما تكسب من خير وشر كما فى قوله تعالى (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِراماً) الآية وقوله تعالى (وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً) وقوله تعالى (لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ) وقرىء لما مخففه على أن إن مخففة من الثقيلة واسمها الذى هو ضمير الشأن محذوف واللام هى الفارقة وما مزيدة أى إن الشأن كل نفس لعليها حافظ والفاء فى قوله تعالى (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ) للتنبيه على أن ما بين من أن كل نفس عليها حافظ يحصى عليها كل ما يصدر عنها من قول وفعل مستوجب على الإنسان أن يتفكر فى مبدأ فطرته حق التفكر حتى يتضح له أن من قدر على إنشائه من مواد لم تشم رائحة الحياة قط فهو قادر على إعادته بل أقدر على قياس العقل فيعمل ليوم الإعادة والجزاء ما ينفعه يومئذ ويجديه ولا يملى على حافظه ما يرد به وقوله تعالى (خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ) استئناف وقع جوابا عن استفهام مقدر كأنه قيل مم خلق فقيل خلق من ماء ذى دفق وهو صب فيه دفع وسيلان بسرعة والمراد به الممتزج من الماءين فى الرحم كما ينبىء عنه قوله تعالى (يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ) أى صلب الرجل وترائب المرأة وهى عظام صدرها قالوا إن النطفة تتولد من فضل الهضم الرابع وتنفصل عن جميع الأعضاء حتى تستعد لأن يتولد منها مثل تلك الأعضاء ومقرها عروق ملتف بعضها بالبعض عند البيضتين فالدماغ أعظم الأعضاء معونة فى توليدها ولذلك تشبهه ويورث الإفراط فى الجماع الضعف فيه وله خليفة هى النخاع وهو فى الصلب وشعب كثيرة نازلة إلى الترائب وهما أقرب إلى أوعية المنى فلذلك خصا بالذكر وقرىء الصلب بفتحتين والصلب بضمتين وفيه لغة رابعة هى صالب (إِنَّهُ) الضمير للخالق تعالى فإن قوله (خُلِقَ) يدل عليه أى إن ذلك الذى خلقه ابتداء مما ذكر (عَلى رَجْعِهِ) أى على إعادته بعد موته (لَقادِرٌ) لبين القدرة (يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ) أى يتعرف ويتصفح ما أسر فى القلوب من العقائد والنيات وغيرها وما أخفى من الأعمال ويميز بين ما طاب منها وما خبث وهو