(وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (١٨) وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (١٩) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (٢٠) فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ (٢١) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (٢٢) إِلاَّ مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ) (٢٣)
____________________________________
خلقت خلقا بديعا معدولا به عن سنن خلقة سائر أنواع الحيوانات فى عظم جثتها وشدة قوتها وعجيب هيأتها اللائقة بتأتى ما يصدر عنها من الأفاعيل الشاقة كالنوء بالأوقار الثقيلة وجر الأثقال الفادحة إلى الأقطار النازحة وفى صبرها على الجوع والعطش حتى إن أظماءها لتبلغ العشر فصاعدا واكتفائها باليسير ورعيها لكل ما يتيسر من شوك وشجر وغير ذلك مما لا يكاد يزعاه سائر البهائم وفى انقيادها مع ذلك للإنسان فى الحركة والسكون والبروك والنهوض حيث يستعملها فى ذلك كيفما يشاء ويقتادها بقطارها كل صغير وكبير (وَإِلَى السَّماءِ) التى يشاهدونها كل لحظة بالليل والنهار (كَيْفَ رُفِعَتْ) رفعا سحبق المدى بلا عماد ولا مساك بحيث لا يناله الفهم والإدراك (وَإِلَى الْجِبالِ) التى ينزلون فى أقطارها وينتفعون بمياهها وأشجارها (كَيْفَ نُصِبَتْ) نصبا رصينا فهى راسخة لا تميل ولا تميد (وَإِلَى الْأَرْضِ) التى يضربون فيها ويتقلبون عليها (كَيْفَ سُطِحَتْ) سطحا بتوطئة وتمهيد وتسوية وتوطيد حسبما* يقتضيه صلاح أمور ما عليها من الخلائق وقرىء سطحت مشددا وقرئت الأفعال الأربعة على بناء الفاعل للمتكلم وحذف الراجع المنصوب والمعنى أفلا ينظرون نظر التدبر والاعتبار إلى كيفية خلق هذه المخلوقات الشاهدة بحقية البعث والنشور ليرجعوا عما هم عليه من الإنكار والنفور ويسمعوا إنذارك ويستعدوا للقائه بالإيمان والطاعة والفاء فى قوله تعالى (فَذَكِّرْ) لترتيب الأمر بالتذكير على ما ينبىء عنه الإنكار السابق من عدم النظر أى فاقتصر على التذكير ولا تلح عليهم ولا يهمنك أنهم لا ينظرون ولا يتذكرون وقوله تعالى (إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ) تعليل للأمر وقوله تعالى (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) تقرير له وتحقيق لمعنى الإنذار أى لست بمتسلط عليهم تجبرهم على ما تريد كقوله تعالى (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ) وقرىء بالسين على الأصل وبالإشمام وقرىء بفتح الطاء قيل هى لغة بنى تمتم فإن سيطر عندهم متعد ومنه قولهم تسيطر وقوله تعالى (إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ) استثناء منقطع أى لكن من تولى منهم فإن لله تعالى الولاية والقهر.