(وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (٣) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (٤) ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ) (٥)
____________________________________
سِينِينَ) هو الجبل الذى ناجى عليه موسى ربه وسينين وسيناء علمان للموضع الذى هو فيه ولذلك أضيف إليهما وسينون كبيرون فى جواز الإعراب بالواو والياء والإقرار على الياء وتحريك النون بالحركات الإعرابية (وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ) أى الآمن من أمن الرجل أمانة فهو أمين وهو مكة شرفها الله تعالى وأمانتها أنها تحفظ من دخلها كما يحفظ الأمين ما يؤتمن عليه ويجوز أن يكون فعيلا بمعنى مفعول من أمنه لأنه مأمون الغوائل كما وصف بالآمن فى قوله تعالى (حَرَماً آمِناً) بمعنى ذى أمن ووجه الإقسام بهاتيك البقاع المباركة المشحونة ببركات الدنيا والدين غنى عن الشرح والتبيين (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ) أى جنس الإنسان (فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) أى كائنا فى أحسن ما يكون من التقويم والتعديل صورة ومعنى* حيث برأه الله تعالى مستوى القامة متناسب الأعضاء متصفا بالحياة والعلم والقدرة والإرادة والتكلم والسمع والبصر وغير ذلك من الصفات التى هى من أنموذجات من الصفات السبحانية وآثار لها وقد عبر بعض العلماء عن ذلك بقوله خلق آدم على صورته وفى رواية على صورة الرحمن وبنى عليه تحقيق معنى قوله من عرف نفسه فقد عرف ربه وقال إن النفس الإنسانية مجردة ليست حالة فى البدن ولا خارجة عنه متعلقة به تعلق التدبير والتصرف تستعمله كيفما شاءت فإذا أرادت فعلا من الأفاعيل الجسمانية تلقيه إلى ما فى القلب من الروح الحيوانى الذى هو أعدل الأرواح وأصفاها وأقربها منها وأقواها مناسبة إلى عالم المجردات القاء روحانيا وهو يلقيه بواسطة ما فى الشرايين من الأرواح إلى الدماغ الذى هو منبت الأعصاب التى فيها القوى المحركة للإنسان فعند ذلك يحرك من الأعضاء ما يليق بذلك الفعل من مباديه البعيدة والقريبة فيصدر عنه ذلك بهذه الطريقة فمن عرف نفسه على هذه الكيفية من صفاتها وأفعالها تسنى له أن يترقى إلى معرفة رب العزة عز سلطانه ويطلع على أنه سبحانه منزه عن كونه داخلا فى العالم أو خارجا عنه يفعل فيه ما يشاء ويحكم ما يريد بواسطة ما رتبه فيه من الملائكة الذين يستدل على شؤنهم بما ذكر من الأرواح والقوى المرتبة فى العالم الإنسانى الذى هو نسخة للعالم الأكبر وأنموذج منه وقوله تعالى (ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ) أى جعلناه من أهل النار الذين هم أقبح من كل قبيح وأسفل من كل سافل لعدم جريانه على موجب ما خلقناه عليه من الصفات التى لو عمل بمقتضاها لكان فى أعلى عليين وقيل رددناه إلى أرذل العمر وهو الهرم بعد الشباب والضعف بعد القوة كقوله تعالى (وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ) وأيا ما كان فأسفل سافلين إما حال من المفعول أى رددناه حال كونه أسفل سافلين أو صفة لمكان محذوف أى رددناه مكانا أسفل سافلين والأول أظهر وقرىء