(وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً (٨) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً (٩) وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً (١٠) وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً) (١١)
____________________________________
* ظَنُّوا) أى الإنس (كَما ظَنَنْتُمْ) أيها الجن على أنه كلام بعضهم لبعض (أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ أَحَداً) وقيل المعنى أن الجن ظنوا كما ظننتم أيها الكفرة الخ فتكون هذه الآية وما قبلها من جملة الكلام الموحى به والأقرب أنهما كذلك على كل تقدير عطفا على أنه استمع إذ لا معنى لإدراجهما تحت ما ذكر من الإيمان والتصديق وكذا قوله تعالى (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ) وما بعده من الجمل المصدرة بأنا ينبغى أن تكون معطوفة على ذلك على أن الموحى عين عبارة الجن بطريق الحكاية كأنه قيل قل أوحى إلى كيت وكيت وهذه العبارات أى طلبنا بلوغ السماء أو خبرها واللمس مستعار من ألمس للطلب كالجس يقال لمسه والتمسه* وتلمسه كطلبه وأطلبه وتطلبه (فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً) أى حراسا اسم جمع كخدم مفرد اللفظ ولذلك* قيل (شَدِيداً) قويا وهم الملائكة يمنعونهم عنها (وَشُهُباً) جمع شهاب وهى الشعلة المقتبسة من نار الكواكب (وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ) قبل هذا (مِنْها) من السماء (مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ) خالية عن الحرس والشهب أو صالحة للترصد والاستماع وللسمع متعلق بنقعد أى لأجل السمع أو بمضمر هو صفة لمقاعد كائنة* للسمع (فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ) فى مقعد من المقاعد (يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً) أى شهابا راصدا له ولأجله يصده عن الاستماع بالرجم أو ذوى شهاب راصدين له على أنه اسم مفرد فى معنى الجمع كالحرس قيل حدث هذا عند مبعث النبى عليه الصلاة والسلام والصحيح أنه كان قبل البعث أيضا لكنه كثر الرجم بعد البعثة وزاد زيادة حتى تنبه لها الإنس والجن ومنع الاستراق أصلا فقالوا ما هذا إلا لأمر أراده الله تعالى بأهل الأرض وذلك قولهم (وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ) بحراسة السماء (أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً) أى خيرا ونسبة الخير إلى الله تعالى دون الشر من الآداب الشريفة القرآنية كما فى قوله تعالى (وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) ونظائره (وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ) أى الموصوفون بصلاح الحال فى شأن أنفسهم وفى معاملتهم مع غيرهم المائلون إلى الخير والصلاح حسبما تقتضيه الفطرة السليمة لا* إلى الشر والفساد كما هو مقتضى النفوس الشريرة (وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ) أى قوم دون ذلك فحذف الموصوف وهم المقتصدون فى صلاح الحال على الوجه المذكور لا فى الإيمان التقوى كما توهم فإن هذا بيان لحالهم* قبل استماع القرآن كما يعرب عنه قوله تعالى (كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً) وأما حالهم بعد استماعه فسيحكى بقوله تعالى (وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى ـ إلى قوله تعالى ـ وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ) أى كنا قبل هذا ذوى طرائق أى مذاهب أو مثل طرائق فى اختلاف الأحوال أو كانت طرائقنا طرائق قددا أى متفرقة مختلفة