(حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً (٢٤) قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً (٢٥) عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً (٢٦) إِلاَّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً) (٢٧)
____________________________________
من قوله (لا أَمْلِكُ) فإن التبليغ إرشاد ونفع وما بينهما اعتراض مؤكد لنفى الاستطاعة أو من ملتحدا أى لن أجد من دونه منجا إلا أن أبلغ عنه ما أرسلنى به وقيل إلا مركبة من أن الشرطية ولا النافية ومعناه أن لا أبلغ بلاغا من الله والجواب محذوف لدلالة ما قبله عليه (وَرِسالاتِهِ) عطف على بلاغا* ومن الله صفته لا صلته أى لا أملك لكم إلا تبليغا كائنا منه تعالى ورسالاته التى أرسلنى بها (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ) فى الأمر بالتوحيد إذ الكلام فيه (فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ) وقرىء بفتح الهمزة على فحقه أو* فجزاؤه أن له نار جهنم (خالِدِينَ فِيها) فى النار أو فى جهنم والجمع باعتبار المعنى (أَبَداً) بلا نهاية وقوله* تعالى (حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ) غاية لمحذوف يدل عليه الحال من استضعاف الكفار لأنصاره عليه الصلاة والسلام واستقلالهم لعدده كأنه قيل لا يزالون على ما هم عليه حتى إذا رأوا ما يوعدون من فنون العذاب فى الآخرة (فَسَيَعْلَمُونَ) حينئذ (مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً) وحمل ما يوعدون على ما رأوا* يوم بدر يأباه قوله تعالى (قُلْ إِنْ أَدْرِي) أى ما أدرى (أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً) فإنه رد لما قاله المشركون عند سماعهم ذلك متى يكون ذلك الموعود إنكارا له واستهزاء به فقيل قل إنه كائن لا محالة وأما وقته فما أدرى متى يكون (عالِمُ الْغَيْبِ) بالرفع قيل هو بدل من ربى أو بيان له ويأباه الفاء فى قوله تعالى (فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً) إذ يكون النظم حينئذ أم يجعل له عالم الغيب أمدا* فلا يظهر عليه أحدا وفيه من الاختلال ما لا يخفى فهو خبر مبتدأ محذوف أى هو عالم الغيب والجملة استئناف مقرر لما قبله من عدم الدراية والفاء لترتيب عدم الإظهار على تفرده تعالى بعلم الغيب على الإطلاق أى فلا يطلع على غيبه إطلاعا كاملا ينكشف به جلية الحال انكشافا تاما موجبا لعين اليقين أحدا من خلقه (إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) أى إلا رسولا ارتضاه لإظهاره على بعض غيوبه المتعلقة برسالته كما يعرب عنه بيان من ارتضى بالرسول تعلقا تاما إما لكونه من مبادىء رسالته بأن يكون معجزة دالة على صحتها وإما لكونه من أركانها وأحكامها كعامة التكاليف الشرعية التى أمر بها المكلفون وكيفيات أعمالهم وأجزيتها المترتبة عليها فى الآخرة وما تتوقف هى عليه من أحوال الآخرة التى من جملتها قيام الساعة والبعث وغير ذلك من الأمور الغيبية التى بينها من وظائف الرسالة وأما ما لا يتعلق بها على أحد الوجهين من الغيوب التى من جملتها وقت قيام الساعة فلا يظهر عليه أحدا أبدا على أن بيان وقته مخل بالحكمة التشريعية التى عليها يدور فلك الرسالة وليس فيه ما يدل على نفى كرامات الأولياء