(فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ (١١) إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (١٢) وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (١٣) أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (١٤)
____________________________________
* ممن يسمع أو يعقل (لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ) كلاما (أَوْ نَعْقِلُ) شيئا (ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ) أى فى عدادهم ومن انباعهم وهم الشياطين لقوله تعالى (وَأَعْتَدْنا لَهُمْ عَذابَ السَّعِيرِ) كأن الخزنة قالوا لهم فى تضاعيف التوبيخ ألم تسمعوا آيات ربكم ولم تعقلوا معانيها حتى لا تكذبوا بها فأجابوا بذلك (فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ) * الذى هو كفرهم وتكذيبهم بآيات الله ورسله (فَسُحْقاً) بسكون الحاء وقرىء بضمها مصدر مؤكد إما لفعل متعد من المزيد بحذف الزوائد كما فى قعدك الله أى فأسحقهم الله أى أبعدهم من رحمته سحقا أى إسحاقا أو لفعل مترتب على ذلك الفعل أى فأسحقهم الله فسحقوا أى بعدوا سحقا أى بعدا كما فى قول من قال[وعضة دهريا ابن مروان لم تدع * من المال إلا مسحت أو مجلف] أى لم تدع فلم يبق* إلا مسحت الخ وعلى هذين الوجهين قوله تعالى (وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً) واللام فى قوله تعالى (لِأَصْحابِ السَّعِيرِ) للبيان كما فى هيت لك ونحوه والمراد بهم الشياطين والداخلون فى عدادهم بطريق التغليب (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ) أى يخافون عذابه غائبا عنهم أو غائبين عنه أو عن أعين الناس أو بما خفى منهم وهو قلوبهم (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) عظيمة لذنوبهم (وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) لا يقادر قدره (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ) بيان لتساوى السر والجهر بالنسبة إلى علمه تعالى كما فى قوله (سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ) به قال ابن عباس رضى الله عنهما نزلت فى المشركين كانوا ينالون من النبى عليه الصلاة والسلام فيوحى إليه عليه الصلاة والسلام فقال بعضهم لبعض أسروا قولكم كيلا يسمع رب محمد فقيل لهم أسروا ذلك أو اجهروا به فإن الله يعلمه وتقديم السر على الجهر للإيذان بافتضاحهم ووقوع ما يحذرونه من أول الأمر والمبالغة فى بيان شمول علمه المحيط لجميع المعلومات كأن علمه تعالى بما يسرونه أقدر منه بما يجهرون به مع كونهما فى الحقيقة على السوية فإن علمه تعالى بمعلوماته ليس بطريق حصول صورها بل وجود كل شىء فى نفسه علم بالنسبة إليه تعالى أو لأن مرتبة السر متقدمة على مرتبة الجهر إذ ما من شىء يجهر به إلا وهو أو مباديه مضمر فى القلب يتعلق به الأسرار غالبا فتعلق علمه تعالى بحالته الأولى متقدم* على تعلقه بحالته الثانية وقوله تعالى (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) تعليل لما قبله وتقرير له وفى صيغة الفعيل وتحلية الصدور بلام الاستغراق ووصف الضمائر بصاحبيتها من الجزالة ما لا غاية وراءه كأنه قيل إنه مبالغ فى الإحاطة بمضمرات جميع الناس وأسرارهم الخفية المستكنة فى صدورهم بحيث لا تكاد تفارقها أصلا فكيف يخفى عليه ما تسرونه وتجهرون به ويجوز أن يراد بذات الصدور القلوب التى فى الصدر والمعنى إنه عليم بالقلوب وأحوالها فلا يخفى عليه سر من أسرارها وقوله تعالى (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ)