(هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (١٥) أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ (١٦) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (١٧) وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) (١٨)
____________________________________
إنكار ونفى لعدم إحاطة علمه تعالى بالمضمر والمظهر أى ألا يعلم السر والجهر من أوجد بموجب حكمته جميع الأشياء التى هما من جملتها وقوله تعالى (وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) حال من فاعل يعلم مؤكدة للإنكار* والنفى أى ألا يعلم ذلك والحال أنه المتوصل علمه إلى ما ظهر من خلقه وما بطن ويجوز أن يكون من خلق منصوبا والمعنى ألا يعلم الله من خلقه والحال أنه بهذه المثابة من شمول العلم ولا مساغ لإخلاء العلم عن المفعول بإجرائه مجرى يعطى ويمنع على معنى ألا يكون عالما من خلق لأن الخلق لا يتأتى بدون العلم لخلو الحال حينئذ من الإفادة لأن نظم الكلام حينئذ ألا يكون عالما وهو مبالغ فى العلم (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً) لينة يسهل عليكم السلوك فيها وتقديم لكم على مفعولى الجعل مع أن حقه التأخر عنهما للاهتمام بما قدم والتشويق إلى ما أخر فإن ما حقه التقديم إذا أخر لاسيما عند كون المقدم مما يدل على كون المؤخر من منافع المخاطبين تبقى النفس مترقبة لوروده فيتمكن لديها عند ذكره فضل تمكن والفاء فى قوله تعالى (فَامْشُوا فِي مَناكِبِها) لترتيب الأمر على الجعل المذكور أى فاسلكوا فى جوانبها* أو جبالها وهو مثل لفرط التذليل فإن منكب البعير أرق أعضائه وأنباها عن أن يطأه الراكب بقدمه فإذا جعل الأرض فى الذل بحيث يتأتى المشى فى مناكبها لم يبق منها شىء لم يتذلل (وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ) * والتمسوا من نعم الله تعالى (وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) أى المرجع بعد البعث لا إلى غيره فبالغوا فى شكر نعمه* وآلائه (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ) أى الملائكة الموكلين بتدبير هذا العالم أو الله سبحانه على تأويل من فى السماء أمره وقضاؤه أو على زعم العرب حيث كانوا يزعمون أنه تعالى فى السماء أى أأمنتم من تزعمون أنه فى السماء وهو متعال عن المكان (أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ) بعد ما جعلها لكم ذلولا تمشون فى مناكبها* وتأكلون من رزقه لكفرانكم تلك النعمة أى يقلبها ملتبسة بكم فينيبكم فيها كما فعل بقارون وهو بدل اشتمال من من وقيل هو على حذف الجار أى من أن يخسف (فَإِذا هِيَ تَمُورُ) أى تضطرب ذهابا ومجيئا* على خلاف ما كانت عليه من الذل والاطمئنان (أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ) إضراب عن التهديد بما ذكر وانتقال إلى التهديد بوجه آخر أى بل أأمنتم من فى السماء (أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً) أى حجارة من* السماء كما أرسلها على قوم لوط وأصحاب الفيل وقيل ريحا فيها حجارة وحصباء كأنها تقلع الحصباء لشدتها وقوتها وقيل هى سحاب فيها حجارة (فَسَتَعْلَمُونَ) عن قريب البتة (كَيْفَ نَذِيرِ) أى إنذارى عند مشاهدتكم* للمنذر به ولكن لا ينفعكم العلم حينئذ وقرىء فسيعلمون بالياء (وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أى من قبل كفار مكة من كفار الأمم السالفة كقوم نوح وعاد وأضرابهم والالتفات إلى الغيبة لإبراز