(أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرَّحْمنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (١٩) أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ إِنِ الْكافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ (٢٠) أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ) (٢١)
____________________________________
* الإعراض عنهم (فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) أى إنكارى عليهم بإنزال العذاب أى كان على غاية الهول والفظاعة وهذا هو مورد التأكيد القسمى لا تكذيبهم فقط وفيه من المبالغة فى تسلية رسول الله صلىاللهعليهوسلم وتشديد التهديد لقومه ما لا يخفى (أَوَلَمْ يَرَوْا) أغفلوا ولم ينظروا (إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ) باسطات* أجنحتهن فى الجو عند طيرانها فإنهن إذا بسطنها صففن قوادمها صفا (وَيَقْبِضْنَ) ويضممنها إذا ضربن بها جنوبهن حينا فحينا للاستظهار به على التحرك وهو السر فى إيثار يقبضن الدال على تجدد القبض* تارة بعد تارة على قابضات (ما يُمْسِكُهُنَّ) فى الجو عند الصف والقبض على خلاف مقتضى الطبع (إِلَّا الرَّحْمنُ) الواسع رحمته كل شىء بأن برأهن على أشكال وخصائص وهيأهن للجرى فى الهواء والجملة* مستأنفة أو حال من الضمير فى يقبضن (إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ) يعلم كيفية إبداع المبدعات وتدبير المصنوعات وقوله تعالى (أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ) تبكيت لهم بنفى أن يكون لهم ناصر غير الله تعالى كما يلوح به التعرض لعنوان الرحمانية ويعضده قوله تعالى (ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمنُ) أو ناصر من عذابه تعالى كما هو الأنسب بما سيأتى من قوله تعالى (إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ) كقوله تعالى (أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا) فى المعنيين معا خلا أن الاستفهام هناك متوجه إلى نفس المانع وتحققه وههنا إلى تعيين الناصر لتبكيتهم بإظهار عجزهم عن تعيينه وأم منقطعة مقدرة ببل المفيدة للانتقال من توبيخهم على ترك التأمل فيما يشاهدونه من أحوال الطير المنبئة عن تعاجيب آثار قدرة الله عزوجل إلى التبكيت بما ذكر والالتفات للتشديد فى ذلك ولا سبيل إلى تقدير الهمزة معها لأن ما بعدها من الاستفهامية وهى مبتدأ وهذا خبره والموصول مع صلته صفته كما فى قوله تعالى (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ) وإيثار هذا لتحقير المشار إليه وينصركم صفة لجند باعتبار لفظه ومن دون الرحمن على الوجه الأول إما حال من فاعل ينصركم أو نعت لمصدره وعلى الثانى متعلق بينصركم كما فى قوله تعالى (مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ) فالمعنى بل من هذا الحقير الذى هو فى زعمكم جند لكم ينصركم نصرا كائنا من دون نصره تعالى أو ينصركم من عذاب كائن من عند الله عزوجل وتوهم أن أم معادلة لقوله تعالى (أَوَلَمْ يَرَوْا) الخ مع القول بأن من* استفهامية مما لا تقريب له أصلا وقوله تعالى (إِنِ الْكافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ) اعتراض مقرر لما قبله ناع عليهم ما هم فيه من غاية الضلال أى ما هم فى زعمهم أنهم محفوظون من النوائب بحفظ آلهتهم لا بحفظه تعالى فقط أو أن آلهتهم تحفظهم من بأس الله إلا فى غرور عظيم وضلال فاحش من جهة الشيطان ليس لهم فى ذلك شىء يعتد به فى الجملة والالتفات إلى الغيبة للإيذان باقتضاء حالهم للإعراض عنهم وبيان قبائحهم لغيرهم والإظهار فى موقع الإضمار لذمهم بالكفر وتعليل غرورهم به والكلام فى قوله تعالى (أَمَّنْ