(أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢٢) قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (٢٣) قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٤) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٢٥)
____________________________________
هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ) أى الله عزوجل (رِزْقَهُ) بإمساك المطر وسائر مباديه كالذى مر تفصيله خلا أن قوله تعالى (بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ) منبىء عن مقدر يستدعيه المقام كأنه قيل إثر* تمام التبكيت والتعجيز لم يتأثروا بذلك ولم يذعنوا للحق بل لجوا وتمادوا فى عتو أى عناد واستكبار وطغيان ونفور أى شراد عن الحق وقوله تعالى (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى) الخ مثل ضرب للمشرك والموحد توضيحا لحالهما وتحقيقا لشأن مذهبهما والفاء لترتيب ذلك على ما ظهر من سوء حالهم وخرورهم فى مهاوى الغرور وركوبهم متن عشواء العتو والنفور وعدم اهتدائهم فى مسلك المحاجة إلى جهة يتوهم فيها رشد فى الجملة فإن تقدم الهمزة عليها صورة إنما هو لاقتضائها الصدارة وأما بحسب المعنى فالأمر بالعكس كما هو المشهور حتى لو كان مكان الهمزة هل لقيل فهل من يمشى مكبا الخ والمكب الساقط على وجهه يقال أكب خر على وجهه وحقيقته صار ذا كب ودخل فى الكب كأقشع الغمام أى صار ذا قشع والمعنى أفمن يمشى وهو يعثر فى كل ساعة ويخر على وجهه فى كل خطوة لتوعر طريقه واختلال قواه أهدى إلى المقصد الذى يؤمه (أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا) أى قائما سالما من الخبط والعثار (عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) مستوى الأجزاء لا عوج فيه ولا انحراف قيل خبر من الثانية محذوف لدلالة خبر الأولى عليه ولا حاجة إلى ذلك فإن الثانية معطوفة على الأولى عطف المفرد على المفرد كقولك أزيد أفضل أم عمرو وقيل أريد بالمكب الأعمى وبالسوى البصير وقيل من يمشى مكبا هو الذى يحشر على وجهه إلى النار ومن يمشى سويا الذى يحشر على قدميه إلى الجنة (قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ) إنشاء بديعا (وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ) لتسمعوا آيات الله وتمتثلوا بما فيها من الأوامر والنواهى وتتعظوا بمواعظها (وَالْأَبْصارَ) * لتنظروا بها إلى الآيات التكوينية الشاهدة بشؤن الله عزوجل (وَالْأَفْئِدَةَ) لتتفكروا بها فيما تسمعونه* وتشاهدونه من الآيات التنزيلية والتكوينية وترتقوا فى معارج الإيمان والطاعة (قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) * أى باستعمالها فيما خلقت لأجله من الأمور المذكورة وقليلا نعت لمحذوف وما مزيدة لتأكيد القلة أى شكرا قليلا أو زمانا قليلا تشكرون وقيل القلة عبارة عن العدم (قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ) أى خلقكم وكثركم فيها لا غيره (وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) للجزاء لا إلى غيره اشتراكا أو استقلالا فابنوا أموركم* على ذلك (وَيَقُولُونَ) من فرط عتوهم وعنادهم (مَتى هذَا الْوَعْدُ) أى الحشر الموعود كما ينبىء عنه قوله تعالى (وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) يخاطبون به النبى صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين حيث كانوا*