(ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ (٥) أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً (٦) وَالْجِبالَ أَوْتاداً (٧) وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً (٨) وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً (٩) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً) (١٠)
____________________________________
لوقوعه فى معرض التساؤل والاختلاف والمعنى ليرتدعوا عما هم عليه فإنهم سيعلمون عما قليل حقيقة الحال إذا حل بهم العذاب والنكال وقوله تعالى (ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ) تكرير للردع والوعيد للمبالغة فى التأكيد والتشديد وثم للدلالة على أن الوعيد الثانى أبلغ وأشد وقيل الأول عند النزع والثانى فى القيامة وقيل الأول للبعث والثانى للجزاء وقرىء ستعلمون بالتاء على نهج الالتفات إلى الخطاب الموافق لما بعده من الخطابات تشديدا للردع والوعيد لا على تقدير قل لهم كما توهم فإن فيه من الاخلال بجزالة النظم الكريم ما لا يخفى وقوله تعالى (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً) (وَالْجِبالَ أَوْتاداً) الخ استئناف مسوق لتحقيق النبأ المتساءل عنه بتعداد بعض الشواهد الناطقة بحقيته إثر ما نبه عليها بما ذكر من الردع والوعيد ومن ههنا اتضح أن المتساءل عنه هو البعث لا القرآن أو نبوة النبى عليه الصلاة والسلام كما قيل والهمزة للتقرير والالتفات إلى الخطاب على القراءة المشهورة للمبالغة فى الإلزام والتبكيت والمهاد البساط والفراش وقرىء مهدا على تشبيهها بمهد الصبى وهو ما يمهد له فينوم عليه تسمية للممهود بالمصدر وجعل الجبال أوتادا لها إرساؤها بها كما يرسى البيت بالأوتاد (وَخَلَقْناكُمْ) عطف على المضارع المنفى بلم داخل فى حكمه فانه فى قوة أما جعلنا الخ أو على ما يقتضيه الإنكار التقريرى فإنه فى قوة أن يقال قد جعلنا* الخ (أَزْواجاً) أصنافا ذكرا وأنثى ليسكن كل من الصنفين إلى الآخر وينتظم أمر المعاشرة والمعاش ويتسنى التناسل (وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً) أى موتا لأنه أحد التوفيين لما بينهما من المشاركة التامة فى انقطاع أحكام الحياة وعليه قوله تعالى (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ) وقوله تعالى (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها) وقيل قطعا عن الإحساس والحركة لاراحة القوى الحيوانية وإزاحة كلالها والأول هو اللائق بالمقام كما ستعرفه (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ) الذى فيه يقع النوم غالبا (لِباساً) يستركم بظلامه كما يستركم اللباس ولعل المراد به ما يستتر به عند النوم من اللحاف ونحوه فإن شبه الليل به أكمل واعتباره فى تحقيق المقصد أدخل فهو جعل الليل محلا للنوم الذى جعل موتا كما جعل النهار محلا لليقظة