(الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (٣) كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ) (٤)
____________________________________
لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) فعن متعلقة بما يدل عليه المذكور من مضمر حقه أن يقدر بعدها مسارعة إلى البيان ومراعاة لترتيب السؤال هذا هو الحقيق بالجزالة التنزيلية وقد قيل هى متعلقة بالمذكور وعم متعلق بمضمر مفسر به وأيد ذلك بأنه قرىء عمه والأظهر أنه مبنى على إجراء الوصل مجرى الوقف وقيل عن الأولى للتعليل كأنه قيل لم يتساءلون عن النبأ العظيم وقيل قبل عن الثانية استفهام مضمر كأنه قيل عم يتساءلون أعن النبأ العظيم والنبأ الخبر الذى له شأن وخطر وقد وصف بقوله تعالى (الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ) بعد وصفه بالعظيم تأكيدا لخطره إثر تأكيد وإشعارا بمدار التساؤل عنه وفيه متعلق بمختلفون قدم عليه اهتماما به ورعاية للفواصل وجعل الصلة جملة اسمية للدلالة على الثبات أى هم راسخون فى الاختلاف فيه فمن جازم باستحالته يقول إن هى إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما نحن بمبعوثين وشاك يقول ما ندرى ما الساعة إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين وقيل منهم من ينكر المعادين معا كهؤلاء ومنهم من ينكر المعاد الجسمانى فقط كجمهور النصارى وقد حمل الاختلاف على الاختلاف فى كيفية الإنكار فمنهم من ينكره لإنكاره الصانع المختار ومنهم من ينكره بناء على استحالة إعادة المعدوم بعينه وحمله على الاختلاف بالنفى والإثبات بناء على تعميم التساؤل لفريقى المسلمين والكافرين على أن سؤال الأولين ليزدادوا خشية واستعدادا وسؤال الآخرين ليزدادوا كفرا وعنادا يرده قوله تعالى (كَلَّا سَيَعْلَمُونَ) الخ فإنه صريح فى أن المراد اختلاف الجاهلين به المنكرين له إذ عليه يدور الردع والوعيد لا على خلاف المؤمنين لهم وتخصيصهما بالكفرة بناء على تخصيص ضمير سيعلمون بهم مع عموم الضميرين السابقين للكل مما ينبغى تنزيه التنزيل عن أمثاله هذا ما أدى إليه جليل النظر والذى يقتضيه التحقيق ويستدعيه النظر الدقيق أن يحمل اختلافهم على مخالفتهم للنبى عليه الصلاة والسلام بأن يعتبر فى الاختلاف محض صدور الفعل عن المتعدد حسبما ذكر فى التساؤل فإن الافتعال والتفاعل صيغتان متآخيتان كالاستباق والتسابق والانتضال والتناضل إلى غير ذلك يجرى فى كل منهما ما يجرى فى الأخرى لا على مخالفة بعضهم لبعض من الجانبين لأن الكل وإن استحق الردع والوعيد لكن استحقاق كل جانب لهما ليس لمخالفته للجانب الآخر إذ لا حقية فى شىء منهما حتى يستحق من يخالفه المؤاخذة بل لمخالفته له عليه الصلاة والسلام فكلا ردع لهم عن التساؤل والاختلاف بالمعنيين المذكورين وسيعلمون وعيد لهم بطريق الاستئناف وتعليل للردع والسين المتقريب والتأكيد وليس مفعوله ما ينبى عنه المقام من وقوع ما يتساءلون عنه ووقوع ما يختلفون فيه كما فى قوله تعالى (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ ـ إلى قوله تعالى ـ لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ) الآية فإن ذلك عار عن صريح الوعيد بل هو عبارة عما يلاقونه من فنون الدواهى والعقوبات والتعبير عن لقائها بالعلم