(يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً (١٨) وَفُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً) (١٩)
____________________________________
وقوله تعالى (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) أى نفخة ثانية بدل من يوم الفصل أو عطف بيان له مفيد لزيادة تفخيمه وتهويله ولا ضير فى تأخر الفصل عن النفخ فإنه زمان ممتد يقع فى مبدئه النفخة وفى بقيته الفصل ومباديه وآثاره والصور هو القرن الذى ينفخ فيه إسرافيل عليهالسلام. عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال لما فرع الله تعالى من خلق السموات والأرض خلق الصور فأعطاه إسرافيل فهو واضعه على فيه شاخص بصره إلى العرش متى يؤمر به فينفخ فيه نفخة لا يبقى عندها فى الحياة غير من شاء الله تعالى وذلك قوله تعالى (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ) ثم يؤمر بأخرى فينفخ نفخة لا يبقى معها ميت إلا بعث وقام وذلك قوله تعالى (ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ) والفاء فى قوله تعالى (فَتَأْتُونَ) فصيحة تفصح عن جملة قد* حذفت ثقة بدلالة الحال عليها وإيذانا بغاية سرعة الإتيان كما فى قوله تعالى (أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ) أى فتبعثون من قبوركم فتأتون إلى الموقف عقيب ذلك من غير لبث أصلا (أَفْواجاً) أى أمما* كل أمة مع إمامها كما فى قوله تعالى (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ) أو زمرا وجماعات مختلفة الأحوال متباينة الأوضاع حسب اختلاف أعمالهم وتباينها. عن معاذ رضى الله عنه أنه سأل رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال صلىاللهعليهوسلم يا معاذ سألت عن أمر عظيم من الأمور ثم أرسل عينيه وقال تحشر عشرة أصناف من أمتى بعضهم على صورة القردة وبعضهم على صورة الخنازير وبعضهم منكسون أرجلهم فوق وجوههم يسحبون عليها وبعضهم عمى وبعضهم صم بكم وبعضهم يمضغون ألسنتهم فهى مدلاة على صدورهم يسيل القيح من أفواههم يتقذرهم أهل الجمع وبعضهم مقطعة أيديهم وأرجلهم وبعضهم مصلبون على جذوع من نار وبعضهم أشد نتنا من الجيف وبعضهم يلبسون جبابا سابغة من قطران لازقة بجلودهم فأما الذين على صورة القردة فالقتات من الناس وأما الذين على صورة الخنازير فأهل السحت وأما المنكسون على وجوههم فأكلة الربا وأما العمى فالذين يجورون فى الحكم وأما الصم البكم فالمعجبون بأعمالهم وأما الذين يمضغون ألسنتهم فالعلماء الذين خالفت أقوالهم أعمالهم وأما الذين قطعت أيديهم وأرجلهم فهم الذين يؤذون جيرانهم وأما المصلبون على جذوع من نار فالسعاة بالناس إلى السلطان وأما الذين هم أشد نتنا من الجيف فالذين يتبعون الشهوات واللذات ومنعوا حق الله تعالى فى أموالهم وأما الذين يلبسون الجباب فأهل الكبر والفخر والخيلاء (وَفُتِحَتِ السَّماءُ) عطف على ينفخ وصيغة الماضى للدلالة على التحقق وقرىء فتحت بالتشديد وهو الأنسب بقوله تعالى (فَكانَتْ أَبْواباً) أى* كثرت أبوابها المفتحة لنزول الملائكة نزولا غير معتاد حتى صارت كأنها ليست إلا أبوابا مفتحة