(وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً (٢٠) إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً (٢١) لِلطَّاغِينَ مَآباً) (٢٢)
____________________________________
كقوله تعالى (وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً) كأن كلها عيون متفجرة وهو المراد بقوله تعالى (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ) وهو الغمام الذى ذكر فى قوله تعالى (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ) أى أمره وبأسه فى ظلل من الغمام والملائكة وقيل الأبواب الطرق والمسالك أى تكشط فينفتح مكانها وتصير طرقا لا يسدها شىء (وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ) أى فى الجو على هيآتها بعد قلعها من مقارها كما يعرب عنه قوله تعالى (وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ) أى تراها رأى العين ساكنة فى أماكنها والحال أنها تمر مر السحاب الذى يسيره الرياح سيرا حثيثا وذلك أن الأجرام العظام إذا تحركت نحوا من الأنحاء لا تكاد يتبين حركتها وإن كانت فى غاية السرعة لا سيما من بعيد وعليه قول من قال[بار عن مثل الطود تحسب أنهم * وقوف لحاج والركاب تهملج] وقد أدمج فى هذا التشبيه تشبيه حال الجبال بحال السحاب فى تخلخل الأجزاء وانتفاشها كما ينطق به قوله تعالى (وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ) يبدل الله تعالى الأرض ويغير هيأتها ويسير الجبال على تلك الهيئة الهائلة عند حشر الخلائق بعد النفخة الثانية ليشاهدوها ثم* يفرقها فى الهواء وذلك قوله تعالى (فَكانَتْ سَراباً) أى فصارت بعد تسييرها مثل السراب كقوله تعالى (وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا) أى غبارا منتشرا وهى وإن اندكت وانصدعت عند النفخة الأولى لكن تسييرها وتسوية الأرض إنما يكونان بعد النفخة الثانية كما نطق به قوله تعالى (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ) وقوله تعالى (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) فإن اتباع الداعى الذى هو إسرافيل عليهالسلام وبروز الخلق لله تعالى لا يكون إلا بعد النفخة الثانية (إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً) شروع فى تفصيل أحكام الفصل الذى أضيف إليه اليوم إثر بيان هوله ووجه تقديم بيان حال الكفار غنى عن البيان والمرصاد اسم للمكان الذى يرصد فيه كالمضمار الذى هو اسم للمكان الذى يضمر فيه الخيل والمنهاج اسم للمكان الذى ينهج فيه أى إنها كانت فى حكم الله تعالى وقضائه موضع رصد يرصد فيه خزنة النار الكفار ليعذبوهم فيها (لِلطَّاغِينَ) متعلق بمضمر هو إما نعت لمرصادا أى* كائنا للطاغين وقوله تعالى (مَآباً) بدل منه أى مرجعا يرجعون إليه لا محالة وإما حال من مآبا قدمت عليه لكونه نكرة ولو تأخرت لكانت صفة له وقد جوز أن يتعلق بنفس مآبا على أنها مرصاد للفريقين مآب للكافرين خاصة ولا يخفى بعده فإن المتبادر من كونها مرصادا لطائفة كونهم معذبين بها وقد قيل إنها مرصاد لأهل الجنة يرصدهم الملائكة الذين يستقبلونهم عندها لأن مجازهم عليها وهى مآب للطاغين