وأما القسم الثالث ـ وهو أن يقال : ان عند اقدام الامام على المعاصى والفواحش لا يجوز منعه عنها البتة ـ فهو أيضا باطل ، لأن الدلائل الدالة على وجوب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر عامة. فتتناول الامام وغيره. وأيضا : فعلى هذا الطريق يصير نصب الامام سببا لتكثير الفواحش. ومعلوم : أن المقصود منه تقليلها. وهذا يفضى الى التناقض. فثبت : أن الامام لو لم يكن واجب العصمة ، لأفضى الى هذه الأقسام الباطلة ، فوجب القول بكونه باطلا.
الشبهة الخامسة : التمسك بقوله تعالى لابراهيم (قالَ : إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً. قالَ : وَمِنْ ذُرِّيَّتِي. قالَ : لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (البقرة ١٢٤) دلت الآية على أن عهد الامامة لا يصل الى من كان ظالما. وكل من كان مذنبا ، فانه ظالم. قال تعالى : (فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ) (فاطر ٣٢) فصارت الآية نصا فى أن كل من كان مذنبا ، سواء كان ذنبه ظاهر أو باطنا. فانه لا يكون إماما. واذا كان كذلك ، ثبت أن الامام لا بدّ وأن يكون معصوما.
والجواب عن الشبهة الأولى : انها مبنية على المسألة الأولى. وهى أن الخلق لما كان الخطأ عليهم جائزا ، احتاجوا الى نصب الامام. وقد تقدم الجواب عن كلامهم فيه.
والجواب عن الشبهة الثانية : ان الشريعة انما تبقى محفوظة بنقل الناقل المعصوم ، لو كان ذلك الناقل المعصوم بحيث يرى ويمكن الوصول إليه والرجوع الى قوله. فأما اذا لم يكن كذلك ، لم تصر الشريعة محفوظة بنقله. فسقطت هذه الشبهة.
والجواب عن الشبهة الثالثة : انه لا نزاع فى أنه يجب على كل واحد من آحاد الرعية أن يقتدى بنواب الامام من القضاة والعلماء والشهود ، مع أنهم بالاتفاق ليسوا معصومين. وكل ما يقولونه فيهم ، فهو جوابنا عن الامام الأعظم.