الرابع : ان هذه الآيات حجة عليكم من وجوه أخر. وذلك لأن الجزاء اسم لما يكفى. واذا حكم الله بأن الحد الّذي يقام عليه فى الدنيا جزاء ، وثبت أن الجزاء ما كان كافيا : كان ظاهر هذه الآية مانعا من إيصال العقاب إليه فى الآخرة. فثبت : أن الترجيح الّذي ذكرتموه ، يبطل مذهبكم بالكلية.
وأما الترجيح الثانى ـ وهو أن آيات الوعد عامة ـ فنقول : هذا ممنوع. وذلك لأن آيات الوعيد يدخل فيها الكافر والمؤمن من قبل التوبة ومن بعدها ، وآيات العفو مختصة بالمؤمن. فثبت : أن الآيات التى تمسكنا بها خاصة ، والآيات التى تمسكتم بها عامة.
وأما الترجيح الثالث : فضعيف. لأن الرحمة مقصودة بالذات والتعذيب مقصود بالعرض. وترجيح ما هو مقصود بالذات على ما هو مقصود بالتبع والعرض أولى من العكس.
هذا تمام الكلام فى الجواب عن شبهات المعتزلة. وبالله التوفيق.
الفصل الرابع
فى
دلائلنا على العفو
الحجة الأولى : الآيات الدالة على كون الله تعالى عفوا. كقوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ ، وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ ، وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ) (الشورى ٢٥) وقوله تعالى : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ، وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) (الشورى ٣٠) وقوله : (وَمِنْ آياتِهِ : الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ) الى قوله : (أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا. وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ) (الشورى ٣٢ ـ ٣٤) وأيضا : أجمعت الأمة على أنه تعالى يعفو عن عباده ، وأجمعوا على أن من أسمائه العفو. اذا ثبت هذا فنقول : العفو اما أن يكون عبارة عن اسقاط العذاب عمن يحسن عقابه ، أو عمن لا يحسن عقابه.