المسألة الثامنة والعشرون
فى
حقيقة النّفس
اعلم : أن مرادنا من لفظة النفس ، هو الشيء الّذي يشير إليه كل انسان بقوله «أنا» حين (١) يقول : أنا فعلت ، وأنا أدركت.
اذا عرفت هذا ، فنقول : العقلاء اختلفوا فى حقيقة النفس. وضبط تلك المذاهب أن يقال : الّذي يشير إليه كل واحد بقوله «أنا» اما أن يكون جسما أو جسمانيا ، أو لا جسما ولا جسمانيا ، أو يكون مركبا من هذه الأقسام تركيبا ثنائيا أو ثلاثيا. فان كان جسما. فذلك الجسم اما أن يكون هو هذا الهيكل المحسوس ، أو جسم حاصل فى داخله. والقول الأول : هو اختيار طائفة عظيمة من المتكلمين ، الا أنه ضعيف. ويدل على ضعفه وجهان :
الأول : انى أعلم ببداهة عقلى ، أنى الآن هو (٢) الّذي كنت موجودا قبل هذا اليوم بعشرين سنة. وهذا الهيكل المحسوس الموجود ليس هو الّذي كان موجودا قبل ذلك بعشرين سنة (٣). لأن أجزاء هذا الهيكل متبدلة تارة بالسمن والهزال ، وتارة بسائر أنواع التحللات من العرق وانفصال الفضلات من الدماميل وغيرها. ولأنه محتاج
__________________
(١) حي : ا
(٢) غير : ا
(٣) المؤلف يفرق بين جسد المرء وروحه ، وبين النفس. فيقول : ان فى المرء ثلاثة أشياء ١ ـ جسده ٢ ـ وروحه ٣ ـ ونفسه. فهو يثبت النفس جسما روحانيا مجردا عن المادة. وأهل الحديث يثبتون ـ