ثم نقول : هذه الراحة اما أن تكون فى هذا العالم. أو فى عالم آخر. لا جائز أن يقال: انها فى هذا العالم. لأن الّذي يظنه الانسان لذة فى هذا العالم ، فهو ليس بلذة ، بل هو دفع الألم. مثاله : ان لذة الأكل ليست فى الحقيقة لذة ، بل هى دفع ألم الجوع. ولذلك فان ألذ اللقم هى اللقمة الأولى ، لأن هناك ألم الجوع أقوى. وكل لقمة هى أكثر تاخرا ، كانت أقل لذة. وذلك لأن ألم الجوع هناك ، أقل قوة ، وكذلك لذة الوقاع عبارة عن دفع الألم. وذلك لأن الفضلة التى يتولد منها المنى ، لما اجتمعت فى أوعية المنى ، حاولت الانفصال. فقبل الانفصال يحصل نوع ألم يسبب اجتماعها فى تلك الأوعية ، فاذا انفصلت زال ذلك الألم. وعلى هذا القياس سائر اللذات الحاصلة فى هذا العالم.
وأيضا : فبتقدير أن تحصل فى هذا العالم لذة جسمانية ، لكنها قليلة. والغالب اما الألم أو دفع الألم. وليس من الحكمة القاء الحيوان فى بحر الآلام والمكروهات ، لأجل أن يعود إليه ذرة من اللذات. ولما ثبت : أن الحيوان انما خلق لأجل اللذة والراحة ، وثبت : أن ذلك المقصود غير حاصل فى هذا العالم ، فلا بد من القطع بوجود عالم آخر ، بعد هذا العالم ، يحصل فيه هذا المقصود. وذلك هو الدار الآخرة.
فهذه طريقة اقناعية. والاعتماد على ما تقدم. وهذا حاصل الكلام فى المعاد الجسمانى.
الفصل السادس
فى
المعاد الروحانى
اعلم : أن هذا البحث (١) متفرع على اثبات أن النفس جوهر
__________________
(١) النصارى يقولون بالمعاد الروحانى وقد بينا رأيهم فى تقديمنا لكتاب نفخ الروح والتسوية للامام الغزالى