والجواب : ان التأويلات انما يصار إليها ، لو كان الاحتمال قائما. ولما علمنا بالنقل المتواتر المستفيض من دين محمد عليهالسلام أنه انما كان مثبتا للمعاد الجسمانى ، ومكفرا لكل من كان منكرا له ، لا جرم لم يبق للتأويل فى هذا الباب مجال.
وأما الطريق العقلى المثبت للمعاد الجسمانى. فهو من وجهين : الوجه الأول : انا نرى فى دار الدنيا مطيعا وعاصيا ومحسنا ومسيئا ، ونرى أن المطيع يموت من غير ثواب يصل إليه فى الدنيا ، والعاصى يموت من غير عقاب يصل إليه فى الدنيا ، فان لم يكن حشر ونشر ، يصل فيه الثواب الى المحسن ، والعقاب الى المسىء ، لكانت هذه الحياة الدنيوية ، عبثا ، بل سفها.
واعلم : أنه تعالى ذكر هذه الحجة فى آيات من القرآن. قال فى سورة طه : (إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ. أَكادُ أُخْفِيها. لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى) [طه ١٥] وقال فى سورة ص : (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ ، وَما بَيْنَهُما باطِلاً. ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا. فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ. أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ، كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ ، أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ)؟ [ص ٢٧ ـ ٢٨] وفى هذه الآيات لطائف كثيرة دالة على صحة القول بالمعاد الجسمانى ، ذكرناها فى «التفسير الكبير».
والوجه الثانى من الدلائل على صحة المعاد الجسمانى : أن نقول : انه تعالى خلق الخلق ، اما للراحة واما للتعب والألم ، أو لا للراحة ولا للتعب. لا جائز أن يقال : خلقهم للتعب والألم. لأن هذا لا يليق بالمحسن الرحيم ، الغنى عن الخلق. ولا جائز أن يقال : خلقهم لا للراحة ولا للتعب والألم. لأنهم حال كونهم معدومين ، كان هذا المعنى حاصلا. فدل على أنه تعالى انما خلقهم للراحة.