والقسم الثانى باطل لوجهين :
الحجة الأولى : (١٠) أن عقاب من يقبح عقابه قبيح. ومن ترك مثل هذا القبيح ، لا يقال : انه عفا. فان الانسان اذا لم يظلم أحدا ، لا يقال : انه عفا عنه. أما اذا كان له أن يعذبه ، فترك تعذيبه ، يقال : انه عفا عنه ، ولهذا قال تعالى : (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) (البقرة ٢٣٧)
والثانى : انه تعالى قال : (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ) (الشورى ٢٥) فلو كان العفو عبارة عن اسقاط العقاب عن التائب ، لكان فى هذا تكرير من غير فائدة. فعلمنا : أن العفو عبارة عن اسقاط العقاب عمن يحسن عقابه.
فان قيل : لم لا يجوز أن يكون العفو عبارة عن عدم ايصال العقاب إليه فى الدنيا وتأخيره الى الآخرة؟ قلنا : لأن الجزاءات مؤخرة الى الآخرة. قال تعالى : (الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) (غافر ١٧) واذا عرفنا أن الجزاءات مؤخرة الى الآخرة ، لم يكن تأخيرها الى الآخرة عفوا.
وأيضا : لو كان هذا القدر مسمى بالعفو ، لوجب أن يقال : عفو الله عن الكفار أكثر من عفوه عن المسلمين. لأن حصول المرادات لهم ودفع المكاره عنهم ـ أعنى الكفار ـ فى الدنيا أكثر. قال تعالى : (وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً ، لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ ، لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ) (الزخرف ٣٣) وقال عليهالسلام : «خص البلاء بالأنبياء ثم الأولياء ، ثم الأمثل فالأمثل»
الحجة الثانية : الآيات الدالة على كونه تعالى غافر وغفورا وغفارا. قال تعالى : (غافِرِ الذَّنْبِ) (غافر ٣) (وَرَبُّكَ الْغَفُورُ)
__________________
(١٠) أحدها : الأصل