الأول : انه لما وجدت آيات دالة على أنهم يلعنون ويذمون ويعذبون فى الدنيا بسبب معاصيهم ، كذلك أيضا حصلت آيات دالة على أنهم يعظمون ويمدحون فى الدنيا بسبب ايمانهم. قال الله تعالى : (وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا ، فَقُلْ : سَلامٌ عَلَيْكُمْ. كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) (الأنعام ٥٤) فهم يرجحون الآيات الدالة على حصول الوعيد فى الآخرة بالآيات الدالة على حصول اللعن والذم فى الدنيا. ونحن أيضا نرجح الآيات الدالة على حصول وعد الاحسان والعفو فى الآخرة ، بالآيات الدالة على حصول المدح والتعظيم فى الدنيا. فلم كان قولهم أرجح من قولنا؟ بل كان الترجيح معنا من الوجوه المذكورة.
أقصى ما فى الباب أن يقال : فان كان لا يلعن ولا يذم فى الدنيا ، فلم يقام فى الدنيا عليه الحد؟
فنقول : هذا ضعيف. لأن الحد قد يقام على سبيل التنكيل. ألا ترى أن التائب قد يقام عليه الحد ، مع أنه ليس هناك لعن ولا نكال. فعلمنا : أنه لا يمكن الاستدلال باقامة الحد على حصول استحقاق العذاب.
الوجه الثانى : ان آيات الوعد كما أنها معارضة لآيات الوعيد ، فكذلك هى معارضة لكل آية دالة على معنى يستلزم حصول الوعيد فى الآخرة. وعندكم : أن الآيات الدالة على حصول المعن والخزى والنكال والعذاب فى الدنيا ، مستلزمة لحصول الوعيد فى الآخرة ، فيحصل التعارض بين هذه الآيات وبين آيات الوعيد. واذا حصل التعارض فى هذا المقام ، لم تكن هذه الآيات مرجحة لآيات الوعد على آيات الوعيد ، فيبقى ما ذكرناه من الترجيحات سليما عن المعارض.
الثالث : ان قوله تعالى : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ) شرع القطع فى حقهما (جَزاءً بِما كَسَبا ، نَكالاً مِنَ اللهِ) واجمعنا على أن حصول هذا المعنى ، مشروط بعدم التوبة. فكذلك هاهنا أيضا لم لا يجوز أن يكون حصول هذا المعنى مشروطا بعدم العفو؟