فقلت أنا يا رسول الله ، فقال «خير تلقاه ، وشر توقاه ، وخير لنا ، وشر على أعدائنا الحمد لله رب العالمين اقصص رؤياك» فقلت : رأيت جميع الناس على طريق رحب سهل لا حب (١) والناس على الجادة (٢) منطلقين ، فبينما هم كذلك إذ أشفى (٣) ذلك الطريق على مرج لم تر عيني مثله ، يرف رفيفا يقطر ماؤه فيه من أنواع الكلأ ، قال وكأني بالرعلة (٤) الأولى حين أشفوا على المرج كبروا ثم أكبّوا (٥) رواحلهم في الطريق ، فلم يظلموه (٦) يمينا ولا شمالا ، قال فكأني أنظر إليهم منطلقين ، ثم جاءت الرعلة الثانية ، وهم أكثر منهم أضعافا فلما أشفوا على المرج كبروا ثم أكبوا رواحلهم في الطريق ، فمنهم المرتع (٧) ومنهم الآخذ الضغث (٨) ، ومضوا على ذلك ، قال ثم قدم عظم الناس (٩) ، فلما أشفوا على المرج كبروا وقالوا هذا خير المنزل ، كأني أنظر إليهم يميلون يمينا وشمالا ، فلما رأيت ذلك لزمت الطريق حتى آتي أقصى المرج ، فإذا أنا بك يا رسول الله على منبر فيه سبع درجات وأنت في أعلاها درجة ، وإذا عن يمينك رجل آدم شثل (١٠) أقنى (١١) إذا هو تكلم يسمو فيفرع (١٢) الرجال طولا ، وإذا عن يسارك رجل ربعة باذ (١٣) كثير خيلان الوجه (١٤) ، كأنما حمّم شعره بالماء (١٥) إذا هو تكلم أصغيتم إكراما له ، وإذا أمام ذلك رجل شيخ أشبه الناس بك خلقا ووجها كلكم تأمونه تريدونه وإذا أمام ذلك ناقة عجفاء شارف (١٦) ، وإذا أنت يا رسول الله كأنك تبعثها.
قال : فامتقع لون رسول الله صلىاللهعليهوسلم ساعة ثم سري عنه ، وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أما ما رأيت من الطريق السهل الرحب اللاحب ، فذاك ما حملتكم عليه من الهدى وأنتم عليه ، وأما المرج الذي
__________________
(١) لاحب : واسع لا ينقطع.
(٢) الجادة : وسط الطريق.
(٣) أشفى : أي أشرف.
(٤) الرعلة : القطعة من الفرسان.
(٥) أكبّوا رواحلهم في الطريق : أي ألزموها الطريق.
(٦) لم يظلموه : أي لم يعدلوا عنه.
(٧) المرتع : هو الذي يخلي ركابه ترتع.
(٨) الضغث : ملء اليد من الحشيش المختلط.
(٩) عظم الناس : معظمهم.
(١٠) الشثل : الغليظ الأصابع خشنها.
(١١) الأقنى : ارتفاع في أعلى الأنف واحديداب في وسطه.
(١٢) يفرع الرجال طولا : أي يعلوهم.
(١٣) يقال : باذ الهيئة : أي رث الهيئة ، وهي صفة للتواضع.
(١٤) كثير خيلان الوجه الخال : الشامة في الوجه.
(١٥) حمّم شعر بالماء : أي سوّد ، لأن الشعر إذا غسل بالماء ظهر سواده.
(١٦) الشارف : الناقة المسنة.