فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد (١) : حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا زياد أبو عمر عن الحسن عن عمار بن ياسر قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «مثل أمتي مثل المطر لا يدري أوله خير أم آخره» فهذا الحديث ، بعد الحكم بصحة إسناده ، محمول على أن الدين كما هو محتاج إلى أول الأمة في إبلاغه إلى من بعدهم ، كذلك هو محتاج إلى القائمين به في أواخرها وتثبيت الناس على السنة وروايتها وإظهارها ، والفضل للمتقدم وكذلك الزرع هو محتاج إلى المطر الأول وإلى المطر الثاني ، ولكن العمدة الكبرى على الأول واحتياج الزرع إليه آكد ، فإنه لو لاه ما نبت في الأرض ولا تعلق أساسه فيها ولهذا قال عليهالسلام «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم إلى قيام الساعة» وفي لفظ «حتى يأتي أمر الله تعالى وهم كذلك» (٢) والغرض أن هذه الأمة أشرف من سائر الأمم ، والمقربون فيها أكثر من غيرها وأعلى منزلة لشرف دينها وعظم نبيها ، ولهذا ثبت بالتواتر عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، أنه أخبر أن في هذه الأمة سبعين ألفا يدخلون الجنة بغير حساب وفي لفظ «مع كل ألف سبعون ألفا ـ وفي آخر ـ مع كل واحد سبعون ألفا (٣).
وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني : حدثنا هشام بن يزيد الطبراني ، حدثنا محمد هو ابن إسماعيل بن عياش ، حدثني أبي ، حدثني ضمضم يعني ابن زرعة عن شريح هو ابن عبيد ، عن أبي مالك قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أما والذي نفسي بيده ليبعثن منكم يوم القيامة مثل الليل الأسود زمرة جميعها يحيطون الأرض ، تقول الملائكة لما جاء مع محمد صلىاللهعليهوسلم أكثر مما جاء مع الأنبياء عليهمالسلام».
وحسن أن يذكر هاهنا عند قوله تعالى : (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ) الحديث الذي رواه الحافظ أبو بكر البيهقي في دلائل النبوة حيث قال : أخبرنا أبو نصر بن قتادة ، أخبرنا أبو عمرو بن مطر ، أخبرنا جعفر بن محمد بن المستفاض الفريابي ، حدثني أبو وهب الوليد بن عبد الملك بن عبد الله بن مسرح الحراني ، حدثنا سليمان بن عطاء القرشي الحراني عن مسلمة بن عبد الله الجهني ، عن عمه أبي مشجعة بن ربعي ابن زمل الجهني رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا صلى الصبح يقول وهو ثان رجليه «سبحان الله وبحمده أستغفر الله إن الله كان توابا» سبعين مرة ثم يقول : «سبعين بسبعمائة لا خير لمن كانت ذنوبه في يوم واحد أكثر من سبعمائة» ثم يقول ذلك مرتين ثم يستقبل الناس بوجهه.
وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم تعجبه الرؤيا ثم يقول «هل رأى أحد منكم شيئا؟» قال ابن زمل :
__________________
(١) المسند ٤ / ٣١٩.
(٢) أخرجه البخاري في الاعتصام باب ١٠ ، ومسلم في الإيمان حديث ٢٤٧.
(٣) أخرجه البخاري في اللباس باب ١٨ ، ومسلم في الإيمان حديث ٣٦٩ ، ٣٧٠ ، ٣٧٣.