ثم يجدون على كل باب منها مثل ما وجدوا على الباب الأول حتى ينتهوا إلى آخرها.
وقوله : (لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) أي مهما أمرهم به تعالى يبادروا إليه لا يتأخرون عنه طرفة عين وهم قادرون على فعله ليس بهم عجز عنه ، وهؤلاء هم الزبانية ـ عياذا بالله منهم ـ وقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أي يقال للكفرة يوم القيامة : لا تعتذروا فإنه لا يقبل منكم ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون ، وإنما تجزون اليوم بأعمالكم ، ثم قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً) أي توبة صادقة جازمة تمحو ما قبلها من السيئات ، وتلم شعث التائب وتجمعه وتكفه عما كان يتعاطاه من الدناءات.
قال ابن جرير (١) : حدثنا ابن مثنى حدثنا محمد ، حدثنا شعبة عن سماك بن حرب : سمعت النعمان بن بشير يخطب ، سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً) قال : يذنب الذنب ثم لا يرجع فيه ، وقال الثوري عن سماك عن النعمان عن عمر قال : التوبة النصوح أن يتوب من الذنب ثم لا يعود فيه أو لا يريد أن يعود فيه. وقال أبو الأحوص وغيره عن سماك عن النعمان : سئل عمر عن التوبة النصوح فقال : أن يتوب الرجل من العمل السيئ ثم لا يعود إليه أبدا. وقال الأعمش عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله (تَوْبَةً نَصُوحاً) قال : يتوب ثم لا يعود.
وقد روي هذا مرفوعا فقال الإمام أحمد (٢) : حدثنا علي بن عاصم عن إبراهيم الهجري عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «التوبة من الذنب أن يتوب منه ثم لا يعود فيه» تفرد به أحمد من طريق إبراهيم بن مسلم الهجري ، وهو ضعيف ، والموقوف أصح والله أعلم. ولهذا قال العلماء : التوبة النصوح هو أن يقلع عن الذنب في الحاضر ويندم على ما سلف منه في الماضي ويعزم على أن لا يفعل في المستقبل ، ثم إن كان الحق لآدمي رده إليه بطريقه.
قال الإمام أحمد (٣) : حدثنا سفيان عن عبد الكريم ، أخبرني زياد بن أبي مريم عن عبد الله بن معقل قال : دخلت مع أبي على عبد الله بن مسعود فقال : أنت سمعت النبي صلىاللهعليهوسلم يقول : «الندم توبة؟» قال : نعم وقال مرة : نعم سمعته يقول : «الندم توبة» (٤) ورواه ابن ماجة عن هشام بن عمار عن سفيان بن عيينة عن عبد الكريم وهو ابن مالك الجزري به.
__________________
(١) تفسير الطبري ١٢ / ١٥٨.
(٢) المسند ١ / ٤٤٦.
(٣) المسند ١ / ٣٧٦.
(٤) أخرجه ابن ماجة في الزهد باب ٣٠.