وما يعملون وقال السدي : وما يسطرون يعني الملائكة وما تكتب من أعمال العباد ، وقال آخرون: بل المراد هاهنا بالقلم الذي أجراه الله بالقدر حين كتب مقادير الخلائق ، قبل أن يخلق السموات والأرضين بخمسين ألف عام.
وأوردوا في ذلك الأحاديث الواردة في ذكر القلم فقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيد القطان ويونس بن حبيب قالا : حدثنا أبو داود الطيالسي ، حدثنا عبد الواحد بن سليم السلمي عن عطاء ، هو ابن أبي رباح ، حدثني الوليد بن عبادة بن الصامت قال : دعاني أبي ، حين حضره الموت فقال : إني سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «إن أول ما خلق الله القلم فقال له اكتب ، قال يا رب وما أكتب؟ قال اكتب القدر وما هو كائن إلى الأبد» (١) وهذا الحديث قد رواه الإمام أحمد من طرق عن الوليد بن عبادة عن أبيه به ، وأخرجه الترمذي من حديث أبي داود الطيالسي به ، وقال حسن صحيح غريب. ورواه أبو داود في كتاب السنة من سننه عن جعفر بن مسافر عن يحيى بن حسان عن ابن رباح عن إبراهيم بن أبي عبلة عن أبي حفصة ، واسمه حبيش بن شريح الحبشي الشامي ، عن عبادة فذكره.
وقال ابن جرير (٢) : حدثنا محمد بن عبد الله الطوسي ، حدثنا علي بن الحسن بن شقيق ، أنبأنا عبد الله بن المبارك ، حدثنا رباح بن زيد عن عمر بن حبيب عن القاسم بن أبي بزة ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه كان يحدث أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إن أول شيء خلقه الله القلم فأمره فكتب كل شيء» غريب من هذا الوجه ولم يخرجوه ، وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد : (وَالْقَلَمِ) ، يعني الذي كتب به الذكر. وقوله تعالى : (وَما يَسْطُرُونَ) أي يكتبون كما تقدم.
وقوله : (ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ) أي لست ولله الحمد بمجنون كما يقوله الجهلة من قومك ، المكذبون بما جئتهم به من الهدى والحق المبين ، فنسبوك فيه إلى الجنون ، (وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ) أي بل إن لك الأجر العظيم والثواب الجزيل الذي لا ينقطع ولا يبيد على إبلاغك رسالة ربك إلى الخلق وصبرك على أذاهم ، ومعنى (غَيْرَ مَمْنُونٍ) أي غير مقطوع كقوله (عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) [هود : ١٠٨] (فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) [التين : ٦] أي غير مقطوع عنهم. وقال مجاهد : غير ممنون أي غير محسوب وهو يرجع إلى ما قلناه.
وقوله تعالى : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) قال العوفي عن ابن عباس : وإنك لعلى دين عظيم وهو الإسلام ، وكذلك قال مجاهد وأبو مالك والسدي والربيع بن أنس ، وكذا قال الضحاك وابن زيد. وقال عطية : لعلى أدب عظيم. وقال معمر عن قتادة : سئلت عائشة عن خلق
__________________
(١) أخرجه أبو داود في السنة باب ١٦ ، والترمذي في القدر باب ١٧ ، وتفسير سورة ٦٨ ، وأحمد في المسند ٥ / ٣١٧.
(٢) تفسير الطبري ١٢ / ١٧٧.